من اللحظات القوية في برنامج الدورة الحادية عشرة لمهرجان سينما الشعوب (من 13 إلى 16 نونبر 2014) الندوة التي سيحتضنها المركب الثقافي بإيموزار كندر صباح السبت 15 نوبر 2014 حول موضوع : " تفلسف السينما " و يشارك فيها نقاد و أساتذة باحثون من المغرب و الجزائر و تونس و موريتانيا .
و معلوم أن أشغال هذه الندوة سيتم تجميعها ، كالعادة ، في كتاب سيصدر سنة 2015 ضمن منشورات نادي إيموزار للسينما .
وفيما يلي الأرضية الفكرية التي كتبها للندوة الناقد السينمائي والباحث الفلسفي الدكتور عز الدين الخطابي :
تفلسف السينما أو التفلسف مع السينما:
أبانت الأعمال السينمائية الهامة والممتعة التي يمكن تصنيفها في خانة الروائع ، بأنه لا يمكن تصور جمالية السينما وقضاياها بمعزل عن خلفيتها الفلسفية . فمثل هذه الأعمال المحترمة فنيا وموضوعاتيا ، تشكل مرجعية للتفكير في إشكاليات فلسفية تأملية من قبيل علاقة الواقع بالمتخيل والأنا بالآخر والحاضر بالماضي والمستقبل الخ ...
بهذا المعنى تفتح الموضوعات السينمائية بتنوعها واختلافها ، مجالا رحبا للتفلسف والتفكير، لأنها ستساهم إلى جانب المتعة الفنية ، في تحقيق المتعة الفكرية ، عبر إثارة الأسئلة حول معنى وقيمة الحقائق المرتبطة بالوضع الإنساني ، أي معنى وقيمة وجود الإنسان والمشاكل المرتبطة بعلاقاته والتزاماته الفردية والجماعية .
هكذا ، يصبح التقاء السينما بالفلسفة أمرا لامناص منه ، لأنهما يضعان معا تصورا خاصا عن العالم والذات والآخر ، أو بصيغة أخرى تؤسس كل واحدة منهما عالما تتحرك فيه شخوص ، قد تكون متخيلة أو مفهومية ، لكنها تظل في جميع الأحوال وثيقة الصلة بالواقع وتفاعلاته .
صحيح أن السينما هي في أساسها إنتاج للخيال وللمظهر الخادع ( السيمولاكر ) ، لكنها تحمل رغم هذه الخاصية التخيلية آثارا للوجود الواقعي . وهنا تبرز خصوصية الواقع الذي تؤسسه ، بحيث لا يعتبر انعكاسا آليا لما هو موجود بالعالم الخارجي ، بل هو بناء جديد قام به خيال المبدع السينمائي . وفي هذا الإطار ، سيبرز دور التأمل الفلسفي في الإبانة عن خصوصية هذه العلاقة وتعقدها ، وذلك من خلال إثارة إشكاليات تهم الواقع والحقيقة والوهم .
ويقتضي هذا الوضع مسألتين أساسيتين هما : ضرورة انفتاح السينما على القضايا الفلسفية وعدم تخليها عن هويتها كمجال فني يتعامل بالصور ويبني عوالمه من خلال اللقطات والمشاهد . فهناك إذن تقاطع وتكامل بين الإبداع السينمائي والتأمل الفلسفي ، من منطلق أن السينما مكنت عبر ابتكارها لتقنياتها السردية الخاصة بها ، من تطوير ما يمكن تسميته بالفكر المصور ، مقابل الفكر الإستدلالي الذي يعتمد عليه الخطاب الفلسفي .
تسمح لنا هذه القضايا بإبراز محاور عديدة يمكن إغناؤها في هذا المهرجان الذي يحمل عنوان/ شعار : التفلسف مع السينما ، والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر :
السينما والحقيقة أو هل السينما فن الخداع بامتياز ؟ ،
من المفهوم الفلسفي إلى الصورة السينمائية أو كيف يتم التفلسف سينمائيا ؟ ،
الإبداع الفلسفي والإبداع السينمائي : أية علاقة ؟
الأبعاد الإستتيقية والأنطولوجية والإيديولوجية للسينما ،
علاقة الواقع بالمتخيل في الفيلم السينمائي أو عوالم المبدع السينمائي ،
علاقة الحاضر بالماضي والمستقبل في السينما أو مسألة الزمن في الأعمال السينمائية ،
تجليات علاقة الذات بالآخر وبالعالم في السينما الخ ...
وهكذا يمكن أن تشكل هذه المحاور وغيرها فرصة لمعالجة إحدى أهم القضايا في مجال الإبداع الإنساني ، وهي علاقة الصورة بالفكر .