هو عبد المقصود ولد الغشوم، حفظه ألله من مكائد الدنيا، وحفّظَته ألتخشيبةُ أسرار حكمتها ..!
اليوم سيفعل ما فعله أبوه .. يوم أنحدر به إلى التخشيبةِ التي تحت الجبل، هناك وقفا بخشوع.. وقد تمهلَ أبوهُ قبل أن يدفع بابها الواطئ .. لم ترتفع الرؤوسِ تحت الجدران، والطرابيش الملفوفة بأمتار القماش ظلّت منكفئة .. يومها عيناهُ حدّقتا في العيون، وهي تغمضُ ثمَّ تنفرجُ؛ تستطلع كنه الشرّ الذي دخل!
قال أبوه:
السلام عليكم يا جماعة التنابلة ..
قال أبوهُ
بالله عليكم يا جماعة العلم .. علموا غلامنا أسرار المعرفة!
الكبير هزَّ طربوشه هزّةً بانت .. وأبوه أسرع بدفعه:
تعلّم يا بني .. ولا تهمل في درسك ..
يومها دخل بين (تنبلين) وقابل الكبير مباشرة .. خيم صمتٌ ثقيل .. والجمعُ مطأطئ في عبادةٍ لا يدركها من جهل!
طال الوقتُ بلا كلامٍ .. بلا طعامٍ .. بلا حراكٍ .. ظلّوا أصناما مُقعّدة .. حتى نطق أحدهم بصوتٍ خفيضٍ .. صوتٍ متقطعٍ ... قادمٍ من بئر نسيهُ الزمان :
- والله .. شكلها .. تُمطِر!
ومجاورُه بعد جهدٍ نطق:
- آه ........... و ...الله!
قال الأوّل:
- روح ... شوفها!
فدخل هو الآخر الحوار ... مجاهدا:
- يا .. جماعة .. انتظروا .. حتى تأتي هرّة المزبلة .. !
واستراح قليلا، ثمَّ أكمل:
- واحدٌ منّا يمدُّ يدَه ... إن ظهرها مبلل .. تمطر .. وإن ناشف .. لا تُمطر!
وأسقط رأسه ... والكبيرُ يرمقُه ذاهلا!
اليوم يفعل بالغشومِ الصغير ما فعله به الغشومُ الكبير .. يهوي بولدِه من على الجبل .. إلى حيث التخشيبة، وقد كبرت، جدرانها تباعدت مع بابٍ كبيرٍ .. ويافطة بحجم جمل، كتب عليها
( مدرسة )!