تكالبت علي مشاكل البيت، ومشاكل العمل معا، حاجات الأطفال لا تنتهي، وشجاراتهم داخل البيت تثير أعصابي، ديوني تراكمت وأصحابها أصبحوا يطاردونني كالأشباح، أتحاشى لقاءهم، فكلما سلكوا فجا سلكت فجا غيره، التلاميذ لا ينجزون واجباتهم، شغبهم يتضاعف، حولوا حصص الدراسة إلى مسرحيات فكاهية، صرت أكره الفصل كلما دخلته أحس كأنني داخل لزنزانة، أراقب ساعتي باستمرار وأذني تتوجس صوت الجرس متى يدق لأغادر ذلك الجحيم.
أحسست بصخرة ثقيلة تجثو على قلبي أنوء بحملها، ولا أجد سبيلا للتخلص منها، فكرت في الذهاب إلى البحر، انسللت من البيت وأطفأت هاتفي، فقد أكثر علي أصدقاء المقهى هذه الأيام بالأسئلة عما يشغل بالي.
وصلت الشاطئ، نزعت نعلي وخضت في الرمال، أحسست بقدمي تغوصان فيها وازداد ثقل جسمي عليهما، بذلت جهدا كبيرا وجريت مغمض العينن، توقفت عندما أحسست ببرودة الماء ترطب قدمي، فتحت عيني رمقت طيور النورس تجمعت على صخرة وسط الماء حانية رؤوسها، كانت في مأتم تبكي أحد أفراد السرب، كان يتوسطها، دارت الطيور حوله في خشوع حانية رؤوسها نافضة ريشها، ثم وقفت في مشهد مثير تتأمله، تقدم إليه أحدها انحنى عليه يبدو أنه قبله قبلة الوداع الأخير، ثم جره بهدوء إلى الماء، عادت الطيور إلى حالتها الأولى في جو خاشع، ترقب الجثة الهامدة تطفو فوق سطح الماء، في تلك اللحظة فاجأها غضب البحر إذ انقضت عليها موجة عنيفة، فطارت متفرقة تملأ الجو بصوت الاحتجاج عاق عاق عاق.
أدهشني المشهد فوقفت شاردا، إلى أن فاجأتني تلك الموجة، سحبت الرمال من تحت قدمي فسقطت في الماء، تبللت ثيابي، استجمعت قواي ، غسلت وجهي ثم خرجت من الماء أجر قدمي، فلما سكت غضب الموج تفقدت الجثة فلم أجدها، بينما لاحت لي أوراق هويتي تطفو بعيدا ومعها ما كنت أحتفظ به من مال لتغطية مصاريف باقي الشهر.