تأكد بالملموس لكل من تابع فقرات برنامج الدورة الثانية للملتقى الوطني لسينما الهامش ، المنظمة بفضاءات متنوعة بجرسيف من 28 الى 30 مارس 2014 ، أن ادارة الملتقى المكونة أساسا من أعضاء ومسيري جمعية الشاشة الفضية والمتعاونين معهم قد نجحت في تنفيذ ما تم الاعلان عنه من أنشطة عبر وسائل الاعلام المكتوبة والالكترونية وغيرها .
افتتاح قوي وتنشيط جميل ومبدع :
وهكذا امتلأت قاعة المسبح البلدي في حفل الافتتاح عن آخرها بضيوف المهرجان وممثلي السلطات المحلية والمجالس المنتخبة ومندوبي وزارتي التربية الوطنية والشبيبة والرياضة وجمهور محلي مكثف (رجالا ونساء) أغلبه من الشباب ، جاؤوا جميعا لدعم هذه التظاهرة السينمائية الفتية بالاقليم والاحتفاء بضيوفها وعلى رأسهم الممثل القدير عبد القادر مطاع والممثلتين المحبوبتين أمال التمار وفاطمة الزهراء أحرار والمخرج الكبير داوود أولاد السيد ... ومما أظفى جمالية ملحوظة على حفل الافتتاح ، الذي انطلق في الخامسة والنصف من عشية الجمعة 28 مارس ، التنشيط المبدع للشاعرة صباح الدبي وصوتها الجميل وكلماتها المختارة بعناية فائقة وانتقالها بسلاسة من فقرة لأخرى من فقرات برنامج حفل الافتتاح .
انطلق الحفل بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم ، تلتها كلمة الجمعية المنظمة ألقاها رئيس الملتقى الأستاذ عبد العالي لخليطي ، الذي رحب بالحاضرين وشكر الجهات والمؤسسات الداعمة ماديا واعلاميا ولوجيستيكيا ، مؤكدا على أن ملتقى جرسيف السينمائي يشكل فضاء مناسبا للتلاقح الثقافي وتبادل التجارب والخبرات بين المبدعين والمثقفين والجمعويين تكريسا لقيم الديموقراطية والحوار وترسيخا لثقافة الاعتراف . وأشار في ختام كلمته الى أن مخطط جمعية الشاشة الفضية بجرسيف يرمي الى خلق أندية سينمائية بالمدارس ودعم المبدعين الهواة والرفع من عدد المنخرطين في الجمعية وأنشطتها المختلفة . وبعد ذلك تم تقديم درع الملتقى للسيد العامل الذي لم يبخل على المنظمين بدعمه المادي والمعنوي ، تسلمه نيابة عنه السيد باشا المدينة .
قبل المرور الى فقرة التكريم استمع الحاضرون الى أغنية ممتعة لحنا وأداء وكلمات وتتبعوا سكيتشا قصيرا في اطار فقرة تنشيطية من ابداع مواهب محلية واعدة . وفي كلمته بمناسبة تكريم السينمائي الراحل محمد مزيان (ابن اقليم جرسيف) ركز ابن عمه السيد مصطفى عقيل على بعض خصال المرحوم كالتواضع والطيبة ونقاء القلب والعفوية وخفة الدم ، مشيرا الى أن طموحات الراحل كانت كبيرة حيث كان يسعى الى جلب السينمائيين الى اقليم جرسيف للوقوف على فضاءات رشيدة وبركين الجميلة وغيرها لتوظيفها في أفلامهم ، كما سبق له أن نظم عرضا سينمائيا بجرسيف سنة 1983 . بعد هذه الشهادة الصادقة قدم درع الملتقى متبوعا بهدايا رمزية للسيد الزبير مزيان ، شقيق المرحوم القادم من الدار البيضاء ، الذي أشار في كلمة له بالمناسبة وهو جد متأثر (اغرورقت عيناه بالدموع) الى أنه فوجىء بحرارة الاحتفاء بشقيقه الراحل مذكرا أن هذا الأخير صور فيلمه القصير " نوح " باقليم جرسيف ليظهر للسينمائيين الآخرين أن هذا الاقليم لا يقل أهمية عن ورزازات من الناحية السينمائية لأنه بمثابة استوديو طبيعي مفتوح صالح لتصوير مختلف أنواع الأفلام السينمائية والتلفزيونية الوطنية والأجنبية ، ولم يفته في الأخير أن يشكر الجمعية المنظمة للملتقى على هذا الاحتفاء الانساني النبيل والجميل .
بعد الاستمتاع بلوحة فنية من التراث المحلي (الركادة) أبدع فيها اثنى عشر فردا من الشيوخ والشباب واليافعين عزفا ورقصا وغناء ، تم الانتقال الى لحظة تكريم الفنانة البشوشة دوما أمال التمار ، التي أدلى في حقها الممثل الكبير عبد القادر مطاع بشهادة صادقة وجد معبرة أشار فيها الى تمكنها من تشخيص أدوارها المسرحية والتلفزيونية والسينمائية بتلقائية وبساطة ملحوظتين والى بعض خصالها الحميدة كالكرم وعزة النفس والتطوع الجمعوي لخدمة الآخرين والاعتزاز ببلدها وتاريخه العظيم وغير ذلك . ولم يفته أن يدعو أصحاب رؤوس الأموال بالمنطقة الى توظيف جزء من أموالهم في السينما وما يرتبط بها من فنون أخرى ، كما لم يفته أن يدعو سلطات الاقليم ومنتخبيه الى تشجيع المواهب والفاعلين الجمعويين من أجل توفير شروط انطلاقة فنية وسينمائية في مستوى امكانيات الاقليم وما يزخر به من طاقات بشرية واقتصادية وطبيعية وغيرها .
قدمت للمحتفى بها هدايا رمزية ودرع الملتقى تحت تصفيقات الجمهور الحارة وزغاريد النساء الحاضرات ، وفي كلمتها بالمناسبة شكرت التمار المنظمين وأشارت الى أن تكريمها انطلق من القطار حيث أحاطها بعض الركاب بعناية خاصة وشعرت بحرارة انسانية كبيرة في احتكاكها لأول مرة بساكنة جرسيف ومتتبعي فقرات الملتقى طيلة أيامه الثلاثة . ولم يفتها أن تشارك في هذا العرس السينمائي بقراءتها لخواطرها كامرأة كاشفة بذلك عن وجهها الجمعوي المناهض للطابوهات بكل أشكالها ، كما تحدثت عن فيلم " رقصة الوحش " الذي ساهمت في كتابة سيناريوه وتشخيص أحد أدواره ووعدت بخلق فرع بجرسيف لجمعة " ما تقيش ولدي " . وبعد وصلة غنائية تم عرض شريط فيديو يتضمن لقطات من الأفلام القصيرة المشاركة في المسابقة الرسمية ، كما تم تقديم أعضاء لجنة التحكيم المكونة من الاذاعية فاطمة يهدي (معدة ومقدمة برنامج " المجلة السينمائية " باذاعة الرباط) ومدير مهرجان الفيلم المغاربي القصير بوجدة المخرج خالد سلي والمخرج والأستاذ الجامعي التونسي وسيم القربي والمخرج داوود أولاد السيد ، رئيس اللجنة ، الذي أعلن عن انطلاق الدورة الثانية للملتقى . وفي ختام حفل الافتتاح عرض فيلم " نوح " من اخراج الراحل محمد مزيان .
ندوة " السينما المغربية : الوحدة والتعدد " :
احتضنت القاعة الكبرى لفندق أطلس يوم الجمعة 28 مارس ، ابتداء من العاشرة والنصف ليلا ، أشغال ندوة الملتقى التي تمحورت حول موضوع " السينما المغربية : الوحدة والتعدد " والتي نشطها عضو جمعية الشاشة الفضية بجرسيف الأستاذ محمد زريق وشارك فيها بمداخلتين الناقد السينمائي فريد بوجيدة والباحث خالد ياسين . تمت الاشارة في هذه الندوة وما تلاها من نقاش الى غنى السينما المغربية من حيت التيمات والمواضيع المختلفة التي تناولتها على امتداد تاريخها ، والى تعدد المقاربات والرؤى وأساليب الكتابة السينمائية فيها ، والى حضور المكون الثقافي المغربي في تعدديته اللغوية والاجتماعية والفكرية وغير ذلك . فاذا كان الوطن والتاريخ المشترك والهوية المركبة تشكل عناصر وحدة داخل السينما المغربية فان التعدد يتجلى في اختلاف أنماط التعبير من مخرج لآخر وفي اختلاف الرؤى وزوايا النظر للمواضيع المصورة . والملاحظ أن المتتبع للأفلام السينمائية المغربية يقف على وجود تفاوت جمالي بينها ، الشيء الذي يؤكد على عدم وجود سينما واحدة لها خصوصية محددة تميزها عن باقي السينمات العالمية ، وانما يتعلق الأمر بتجارب فردية لايزال أصحابها يبحثون عن أسلوب تعبيري وجمالي خاص بهم يعكس تصوراتهم لطبيعة الابداع السينمائي ويعبر عن حساسياتهم وتطلعاتهم الفنية .
ثلاث ورشات تكوينية :
نظمت بفضاءات مختلفة ثلاث ورشات تكوينية استفاذ منها مجموعة من الطلبة والتلاميذ والأساتذة والفاعلين الجمعوين والمهتمين ، تمحورت مواضيعها حول " القراءة الفيلمية " (من تأطير الأستاذ يوسف أيت همو /القاعة الكبرى لثانوية المستقبل) و " التصوير السينمائي " (من تأطير الأستاذ شرف بن الشيخ / دار الشباب علال بن عبد الله ) و " قراءة الصورة " (من تأطير الاستاذ عبد الغاني أملاح / مؤسسة الفيلالي للتعليم الخصوصي ) ، وذلك صباح السبت 29 مارس .
عروض المسابقة الوطنية :
شهدت قاعة ابن الهيثم عشية السبت 29 مارس عرض الأفلام القصيرة المتبارية على جوائز المسابقة الوطنية وعددها اثنى عشر بحضور مخرجيها أو من ناب عنهم وهي : " وأنا " للحسين شاني و " وفاء " لمريمة جبور و " بيادق " لمهدي الادريسي و " الى متى ؟ " لأنس الناصري و " أمان " لسيرين ولوت و " البهلوان " لمحمد حبيب الله و " باب السما " للتهامي بورخيص و " الراعية " لفاطمة أكلاز و " تمثال الرمل " لعزيز خوادر و " سينما " لصلاح الدين شهوب و " الزمن الآخر " لنادية التازي و " آسف أمي ... " لهشام العمراني .
عروض أفلام البانوراما :
مباشرة بعد عرض أفلام المسابقة الوطنية تم عرض أفلام البانوراما التالية وهي انتاجات محلية لهواة من جرسيف ونواحيها : " شخصيات من سراب " لنجيب لمعلم و " الحذاء المثقوب " لعبد الله مريمي و " صرخة " لنور الدين فرينع و " جنب الواد " لعلي تبوعلالت و " كلنا للوطن " لعبد الرحيم الشارفي .
درس سينمائي لداوود أولاد السيد :
جرت العادة في ملتقى جرسيف الوطني لسينما الهامش أن يلقي رئيس لجنة تحكيم المسابقة الوطنية درسا سينمائيا يستعرض من خلاله الخطوط العريضة لتجربته السينمائية ويدخل في حوار مباشر مع المهتمين والمخرجين الشباب المشاركين في المسابقة وغيرهم . وهكذا استضاف فندق أطلس ليلة السبت 28 مارس جلسة حميمية مع المخرج داوود أولاد السيد نشطها الناقد أحمد سيجلماسي وتحدث فيها المخرج المراكشي عن بعض محطات تجربته في التصوير الفوتوغرافي والاخراج السينمائي والتلفزيوني قبل أن يفتح نقاش مثمر حول تجربته الفنية وأسلوبه في الكتابة السينمائية والمواضيع التي تناولتها أفلامه (باي باي السويرتي – عود الريح – طرفاية – في انتظار بازوليني – الجامع) ونظرته لواقع السينما بالمغرب وأمور أخرى .
أنشطة موازية :
بالاضافة الى ما سبق تم تنظيم عرضين بالهواء الطلق (ساحة بئر انزران ) للفيلم القصير " بدون عنوان " لأسامة معزي متبوعا بالفيلم الطويل " الجامع " لداوود أولاد السيد ، ومعرضا لصور تاريخية لمدينة جرسيف (دار الشباب علال بن عبد الله ) وآخر للكتب السينمائية بمشاركة الكتبي حسن بن عدادة من فاس (بدار الشباب وفندق أطلس وقاعة ابن الهيثم والمسبح البلدي) طيلة أيام الملتقى .
زيارات ميدانية :
تم صباح اليوم الثاني للملتقى تنظيم زيارة لقسم محو الأمية بمركز ذوي الاحتياجات الخاصة بحي غياطة كالتفاتة انسانية من منظمي الملتقى لوقوف ضيوف جرسيف من فنانين ونقاد واعلاميين على واقع شريحة من ذوي الاحتياجات الخاصة (الصم البكم) والمجهودات المبدولة من طرف المجتمع المدني والوزارات المعنية لاخراجهم من الأمية عبر تلقينهم مبادىء القراءة والكتابة بواسطة لغة الاشارات وطرق بيداغوجية خاصة . وقد فرح تلاميذ هذا القسم (كلهم من الراشدين) بهذه الزيارة وتبادلوا الاشارات مع الضيوف وأخدوا صورا جماعية معهم ، كما استمع الضيوف الى شروحات الأساتذة المؤطرين والمسؤولين على ادارة المركز وبعض الفاعلين الجمعويين .
وفي صباح اليوم الثالث للملتقى نظمت زيارة أخرى لمواقع تصوير فيلم " نوح " (1995) من اخراج الراحل محمد مزيان (1945-2005) وتمت استضافة ضيوف الملتقى من طرف عائلة وأبناء عمومة الراحل مزيان .
حفل الاختتام والاعلان عن الأفلام الفائزة بجوائز المسابقة :
تم في حفل اختتام الدورة الثانية للملتقى الوطني لسينما الهامش بجرسيف عشية الأحد 30 مارس الماضي الاعلان عن نتائج المسابقة الوطنية للأفلام القصيرة التي جاءت على الشكل التالي :
الجائزة الكبرى : كانت من نصيب فيلم " وأنا " للمخرج الحسين شاني من الريش ، جائزة الاخراج : فاز بها فيلم " باب السما " للتهامي بورخيص من العرائش/الرباط ، جائزة السيناريو : أحرز عليها فيلم " تمثال الرمل " لعزيز خوادر من زاكورة (السيناريو كتبه الحسين شاني) ، جائزة دون كيشوط : منحت لفيلم " أمان " لسيرين ولوت من فاس . ولم يفت لجنة التحكيم التنويه بالفيلمين التالييين : " الراعية " لفاطمة أكلاز من الفقيه بن صالح و " البهلوان " لمحمد حبيب الله من خريبكة .
دورة ناجحة بكل المقاييس رغم كل شيء :
يمكن القول اجمالا بعد استعراض المنجز من فقرات الدورة الثانية للملتقى الوطني لسينما الهامش بجرسيف أن جمعية الشاشة الفضية وشركاؤها والمتعاونون معها قد كسبوا الرهان وأبانوا عن مقدوراتهم في التخطيط والتنفيذ . فدورة 2014 كانت ناجحة بكل المقاييس لأنها استقطبت جمهورا كبيرا في حفلي افتتاحها واختتامها وفي عروض مسابقتها الوطنية وغيرها ، كما جلبت العديد من عشاق السينما وثقافتها (كبارا وصغارا) للاستفادة من ورشاتها التكوينية (خصوصا ورشة القراءة الفيلمية التي أطرها الدكتور يوسف آيت همو) واستضافت وجوها سينمائية وتلفزيونية ومسرحية مغربية (عبد القادر مطاع وأمال التمار وداوود أولاد السيد) وتونسية (المخرج وسيم القربي) وغيرها في زيارتها الأولى للمدينة وأحيت صلة الرحم مع ابنة المنطقة الممثلة الشابة فاطمة الزهراء أحرار وذكرت الأجيال الصاعدة بمبدعها الكبير الراحل محمد مزيان . ورغم الهفوات التنظيمية البسيطة ، التي يمكن تداركها في الدورات القادمة ، والتغييرات الطارئة في بعض المواقيت ، التي لا يخلو منها أي مهرجان أو ملتقى سينمائي بالمغرب ، وغياب بعض الضيوف المدعوين لأسباب خارجة عن ارادة المنظمين وغير ذلك من النواقص ، يمكن الجزم أن الدورة الثانية لهذا الملتقى الفتي قد شهدت تطورا ملحوظا شكلا ومضمونا مقارنة مع الدورة الأولى التأسيسية.