عام 1784 زار مصر الرحالة الفرنسي فرانسوا فولني وفجعته أحوالها حينذاك فكتب يقول" الجهل عام في هذه البلاد". وبعد نحو ثمانين عاما أنشأ رفاعة الطهطاوي قلم الترجمة سنة 1863، وترجم مع تلامذته أكثر من ألفي كتاب. وكانت الترجمة نافذة التفاعل مع الفكر الأوروبي. إلا أننا نكاد ثانية أن نعود إلي"الجهل العام" بسبب تردي حركة الترجمة، حتى وصلنا إلي وضع تترجم فيه الدول العربية سنويا 330 كتابا وتترجم إسرائيل 15ألف كتاب! وتقع مسئولية ذلك التدهور بالأساس على مصر بحكم كثافتها السكانية ودورها الثقافي تاريخيا. ولمواجهة ذلك التدهور كان لدينا " مشروع قومي" حتى أعلنت وزارة الثقافة في أكتوبر 2006 عن تحويله إلي" المركز القومي للترجمة"، وتسلمت إدارته د. رشا إسماعيل وبسبب نشاط مديرته الجم والهادف تحول المركز من" القومي" إلي" النومي للترجمة"! وأصبح نشاط المركز ( وبعبارة أدق نومه العميق) بحاجة إلي نظرة متفحصة، ربما يصحو. لهذا كتب أحمد عبد اللطيف في "أخبار الأدب" تحت عنوان" المركز القومي مقبرة الكتب المترجمة " يشير إلي أوجه التعجب في الجانب المالي من نشاط د. رشا إسماعيل قائلا " إن الكتالوج الصادر حديثاً عن المركز والذي كان يجب أن يضم الأعمال المنشورة تكلف 92 ألف جنيه، كما أنه طُبع في مطبعة خاصة هي "مطبعة المدينة" وضم أعمالاً لم تنشر أصلاً"! الأخطر من ذلك التبديد لأموال الشعب أن المركز يتلقى ( لا تعرف لماذا؟) مائتي وخمسين ألف دولار سنويا من مؤسسة فورد المشبوهة برعاية وسرور د. رشا إسماعيل! على ماذا تنفق هذه الأموال؟ وكيف؟ وهل تفرض " فورد" كتبا بعينها على المركز؟. وفي السياق ذاته تقدم عدد من العاملين بالمركز بمذكرة لوزير الثقافة منذ أسبوعين ترصد حالات أخرى من إهدار المال العام وسؤ الإدارة من دون أن يفتح تحقيقا مع الأستاذة رشا كأن إهدار عرق الشعب وثرواته إنجاز وطني. وإذا تركنا الجانب المالي سنجد أن كل مايصدره المركز من كتب لا يخضع لأية مراجعة من أي نوع وحافل بالأخطاء التاريخية والفنية واللغوية وغير ذلك. الأهم من أوجه القصور في الجوانب المالية والإدارية والفنية أن المركز ليس لديه أية خطة من أي نوع وقد أشار الشاعر رفعت سلام إلي ذلك في حديث له بالدستور قائلا " لا منهج، ولا خطة عمل واضحة، ولا حساب على شيء، بما يحول هذه المراكز إلي أدوات لإهدار المال العام وإهدار القيم التي أسسها لنا آباؤنا من كبار المترجمين". إن الدور الحقيقي لمركز كهذا هو أن يضع الأساس لحركة الترجمة، بما يعني أن يوفر لحركة الترجمة قوائم بأسماء المترجمين المصريين كافة واختصاصاتهم، وأسماء الكتب التي ترجمت، وأن يضع خطة بالتعاون مع المثقفين لترجمة عيون الكتب العلمية والأدبية، أي أن دور المركز هو بناء الصناعة الثقيلة في الترجمة التي لا يستطيع أي فرد بمجهوده الذاتي أن يقيمها. لكن المركز يكتفي على ما يبدو بإهدار مال الشعب وثروته تحت إدارة فاشلة تبذل قصارى جهدها لتجرجرنا إلي " الجهل العام" ! ويكفي لإدراك حجم الكارثة أن نقارن بين ما قامت به د. سهير المصادفة وحدها في سلسلة " الجوائز" وبين كل نشاط المركز النومي! أصبح من الضروري أن تفيق وزارة الثقافة وأن تكف يد المركز عن إهدار المال العام، وإهدار العقل العام ، وأن تقرر كيف يمكن للمركز أن يعمل.
***