عن دار مرسم بالرباط صدر للشاعر نزار كربوط مجموعة شعرية تحت عنوان " سقف من فراشات " و هي المجموعة الثالثة في مسيرة الشاعر بعد " رماد عاشق " و " أحمري يبتلعه السواد " المجموعة من الحجم المتوسط و لوحة الغلاف للفنان المغربي نبيلي إضافة إلى أن العنوان مرسوم كليغرافيا بخط عربي أصيل. في الفهرس نجد ستة عناوين أساسية هي كأنه شاعر، غياب صفر كالوري، مقص يلاحق معطفي، لماذا ترسمها عارية هكذا؟، للضوء حكمة أخرى و دانتيل. تتميز هذه المجموعة بنفس شعري خاص عند الشاعر نزار كربوط و معظم القصائد ذات إيقاع شذري تتناول اليومي في حياة الإنسان و مركزية الأنا الشعرية و شعرنة المشهديات و التقاط التفاصيل و المفارقات إضافة أيضا إلى ذلك الشغف بالمتعة و الحياة.
القصيدة عند الشاعر نزار كربوط ، بمثابة ساعة ملازمة ، لها سيرها الخاص، أو مرآة صغيرة تمتص الأشياء وبالأخص الحالات والهواجس ، وتعيدها مهندسة العمق . بهذا قدمت الأنا المتكلمة في النصوص مسارات الذات المنغمسة تأملا في التفاصيل . وهي بذلك تداري التشابك، وبالتالي قلب وظائف الأشياء ؛ لأن هذه الذات لا تجد نفسها إلا خارج النظافة المحروسة والضوابط القاتلة . كأن القصيدة في مواجهة دائمة ولو من خلال النقط الصغيرة الحميمية مع النمط والأنساق . ولأن هذه الملاذات على حميمية عميقة وعلى اتساع . فالأمر يقتضي بلاغات شعرية مركزة كومضات إشارية، يبدو أن الشاعر نزار كربوط كثف نصه الشعري وركزه كإناء يرشح بهندسات شعرية طاوية على التفاصيل المحيطة بالذات ، وبقدر ما ترصد هذه القصائد فإنها تلامس تلك القيم الجوهرية التي تجعل القصيدة على الدوام كقيم مرتعشة وناضحة بأسئلة الكينونة والوجود.
من قصائد المجموعة :
كَأنهُ شَاعـرٌ
يَرحَلُ بِعَينَيهِ
فِي وَجَعِ المَسَاءِ
يَغِيبُ في سَاعَتِهِ اليَدَوِيةِ
التِي تُثْقِلُ عَلَى سَاعِدِهِ النَحِيلِ
كَأَنهُ شَاعِرٌ ضَلَّ طَرِيقَهُ
إلَى حَانَةٍ صَدِيقَةٍ
تُشَارِكُهُ لََحَظَاتِ الهَذَيَانِ
و فُصُول الوَحْدَةِ المَاطِرَةِ
لَمْ يَعُدْ يَتَذَكرُ مَلامِح الكَراسِي
التِي جَالَسَ فِيهَا أحْزَانَهُ الوَفِية
يَستَرْجِعُ آخِرَ مَرةٍ نَسِيَ فِيهَا مَوْعِدَهُ
مَعَ قَصِيدَةٍ صَغِيرَةٍ
تُقَلِّدُ مِشْيَةَ المُتنبي
و صَوتَ مجَازٍ جَريحٍ
لمْ تَلتَئِم كَلِمَاته بعد
يُرَدد عَلَى مَسَامِعِ قِنينَةِ نَبِيذٍ وَحِيدَةٍ
مَا يَحْفَظُهُ مِنْ صَرَخَاتٍ
و عناوينَ جرائدٍ منسِيَّةٍ
عَلى طَريقِ العَودَةِ إلَى الزُقَاقِ الأَولِ
بَعدَ الصَمْتِ
الإصْبَعُ الذِي وَضَعَهُ في مَطْفَأةِ السجَائِرِ
لم يَعُدْ يَنْبِضُ كَمَا عَودَتْهُ
لَيالِي الشِتَاءِ
لم يَعُدْ يَسْتَدْرِجُ الجَمِيلاتِ
إلَى شُقَّتِهِ
فِي الطَّابَقِ الأرضِي
بَاتَ يُشْبِهُ الرمَادَ هُوَ أَيْضًا
يَقْضِي يَومَهُ
بَاحِثًا عَنْ لَونِهِ
الذِي تُغَطيهِ جُمُوعُ المَارةِ
فِي شَوَارِعِ الرِبَاطْ