نظّم فريق البحث في الفلسفة الإسلاميّة (جامعة محمّد الأوّل-كلّية الآداب) بتعاون مع المركز الوطنيّ للبحث العلميّ والتقنيّ ندوة علميّة دوليّة في موضوع "الكندي ومدرسته، أعمال مهداة إلى الأستاذ محمد المصباحي" يوم 23 أكتوبر 2013 بقاعة نداء السلام بكلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة، وجدة/المغرب. وقد انصبّت المداخلات على قضايا كثيرة؛ بدءا بأعمال الكندي، ومكانته في الثقافة الإسلاميّة، ومصادر فلسفته، وبعض الأسئلة التي يثيرها متنه الفلسفيّ والعلميّ، ونظريته في الخيال، وأدلّته على حدوث العالم، وفلسفته الأخلاقيّة، ونظريته في الموسيقى والتنجيم والميتافيزيقا وعلم الكلام، وغير ذلك. وقد شارك في هذا النشاط العلميّ باحثون متخصّصون من بلاد المغرب الكبير ، وتمّ خلاله تكريم الأستاذ محمد المصباحي من كلّية الآداب بالرباط. وقد تميّزت الجلسة الافتتاحيّة بكلمات مؤثّرة في حقّ المحتفى به.
في الجلسة الأولى، أنار محمد المصباحي في مداخلته جوانب مهمّة من اللحظة التأسيسيّة لنظرية الخيال في الفلسفة العربيّة الإسلامية، من خلال دراسته موضوعَ "الخيال وقوى الحسّ الداخلي لدى الكندي"، والكشف عن قوى الخيال المختلفة عنده، وتبيان مدى تميّزها ودورها في إنتاج المعرفة والرؤيا. ورصد سعيد البوسكلاوي، من كلّية الآداب بوجدة، بعض معالم حضور يحيى النحوي لدى الكندي، مركّزا بالأساس على أدلّة الفيلسوفين على حدوث العالم؛ إذ أبرز كيف يستعيد الكندي أدلّة المتكلّمين التي يجد كثير منها أصله عند الفيلسوف المتكلّم اليونانيّ يحيى النحوي. وخَلَص، عبر مقارنات دقيقة، إلى حضور جزئيّ أو كلّي لثلاثة أدلّة على الأقلّ من أدلّة النحوي لدى الكندي: دليل قوّة الجسم المتناهيّة، ودليل التركيب، ودليل امتناع التسلسل إلى ما لا نهاية له. وكشف محمد مساعد، من المدرسة العليا للأساتذة بمكناس، عن صورة الكندي في الثقافة الإسلاميّة، وملامح شخصيّته العلميّة والفلسفيّة، انطلاقا من نصوص المؤرّخين وكتاب السير والطبقات. وانتهى إلى أنّ للكندي أكثر من صورة واحدة. ومن جهته، عرّف أحمد موسى، أستاذ اللغة الفارسيّة بكلّية الآداب بالجديدة، بترجمات نصوص الكندي، والدراسات التي أنجزت عنه باللغة الفارسية أو المترجمة إليها، وكذا منزلة حضوره في الفضاء الثقافي الإسلاميّ الشيعيّ، لاسيما وأنّ الشيعة يعتبرونه فيلسوفا شيعيّا.
في الجلسة الثانية، توقّف المهدي سعيدان، من كلّية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، عند "تأثير الكواكب من خلال كتاب "De Radiis" المنسوب للكندي"، وفحص مسألة صحّة نسبة هذا الكتاب إلى الكندي من خلال السؤال عن مدى توافق ما ورد فيه بشأن الأجرام السماويّة وكيفية تأثيرها في الأجسام الأرضية مع ما ثبت من آراء للكندي بشأن هذا الموضوع في مواضع أخرى من رسائله، وخاصة رسالة "في العلّة التي لها يبرد أعلى الجوّ ويسخن ما قرب من الأرض"، ورسالة "في العلّة الفاعلة للمدّ والجزر". وقدّم أنس غراب، من المعهد العالي للموسيقى بسوسة، "قراءة في نصوص الكندي الموسيقيّة وعلاقتها بالنّصوص الإغريقيّة"؛ إذ عرّف بالنصوص الموسيقية المنسوبة إلى الكندي وتحقيقاتها والدراسات التي انصبّت عليها، وقدّم نقدا لها مركّزا على ثلاثة موضوعات، وهي: مدى تكامل نصوص الكندي، ومدى وجود نظريّة موسيقيّة موحّدة، ومدى تلاؤم نظريّاته مع ما تمّ تقديمه في ما يخصّ النّظريّات الموسيقيّة في عصره، لينتهي إلى الكشف عن كثير من عناصر التّرابط بين نصوص الكندي والنّصوص الإغريقيّة. ودرس محمد وزار، من جامعة أبي بكر بلقايد بتلمسان، "إشكالية الزمان في فلسفة الكندي"؛ فرصد مصادرها الرئيسة في التراث العربيّ الإسلاميّ، كما في الفكر اليونانيّ، وتوقّف عند طبيعة المنهج في فلسفة الكندي وأهمّيته، كما قدّم دراسة تفصيليّة لطبيعة الزمان ومفهومه في دراسة مقارنة مع اتّجاهات فلسفيّة وكلاميّة. أمّا يس عماري، من كليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بتونس، فقد أبرز معالم "نظريّة الكندي في دفع الأحزان وتطوّراتها لدى اللاّحقين"، محدّدا أهمّ دلالات الأحزان عند الكندي، وكيفيّة دفعها، وبالتالي تحصيل السعادة. كما بحث في تطوّرات نظريّة الكندي لدى بعض اللاّحقين، ولاسيما في رسالة "في دفع الغمّ عن الموت" المنسوبة إلى ابن سينا، وكذا أثر الكندي في الفلسفة اللاّحقة.
وفي الجلسة الأخيرة، تساءل إبراهيم بورشاشن، من أكاديمية القنيطرة، "هل كان الكندي أرسطيّا؟"، وحاول الإجابة بالتأكيد على أنّ مزج الفلسفة بالكلام كان سمة مميّزة للكندي وللنشاط الفلسفيّ بعده. فالكندي الذي أتى من الكلام إلى الفلسفة حمل معه إشكالات علم الكلام، وتمّ توظيف أرسطو للإجابة عن القضايا التيولوجيّة. وهكذا انتهى إلى أنّ أرسطو أعطى للكندي الإطار النظري والنظر المنهجيّ للدفاع عن قضايا العقيدة التي حملها معه من ممارسته الكلاميّة، لكن حدود الأرسطيّة عند الكندي لا تتجلّى فقط في المجال الكلاميّ الذي كان يتحرّك فيه، والذي لم يكن يقدر على تجاوزه، بل تتجلّى أيضا في أفلاطونيّة الكندي الذي لا يتحرّج من إبداع قول جديد، بعيد عن الروحين الأرسطيّة والأفلاطونية، إذا كان ذلك يخدم مقاصدة الكلاميّة. أمّا حسن المنوزي، من كلّية الآداب بمكناس، فقد تناول "سؤال الميتافيزيقا عند الكندي"؛ من حيث روابطه ودلالاته اعتمادا على نصوص من رسائله الفلسفية، وروابطه مع السياسة والعلم والسيكولوجيا والأخلاق والإنسان من جهة، لينتهي إلى تحديد التوجّه الميتافيزيقي عند الكندي في ميتافيزيقا الفاعل والنهاية. وعمل عمر مبركي، من مؤسسّة دار الحديث الحسنيّة بالرباط، على دراسة "موقف الكندي من الإلهيات من خلال رسائله الفلسفية"؛ ففصّل في بعض المقدّمات المنهجيّة لفهم الرؤية الكِنْدية للخالق، ومسالك الكندي في إثبات وجود الله تعالى ووحدانيّته وصفاته. وأخيرا، درس مصطفى العارف، من كلّية الآداب بالمحمدية، "مفهوم الأيس عند الكندي"، مؤكّدا أنّ لحظة الكندي تمثّل تأسيسا للأنطولوجيا.
وسوف تنشر أعمال الندوة قريبا لتعميم الفائدة في كتاب جماعيّ يضمّ مساهمات أخرى، لم يتمكّن أصحابها من الحضور، في موضوعات جديدة وطريفة تتناول جوانب أخرى؛ كالطبّ والمنطق والرياضيات والتعميّة وغير ذلك.