وأنا أعيد الآن مشاهدة فيلم "الموت مباشرة" للمخرج بيرتران تافيرنيي، والذي كان من بين الأفلام الأولى التي شاهدتها بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي بقاعة سينما "روكسي" العريقة ضمن عروض نادي الفن السابع الصباحية، تذكرت كيف كانت قد تداخلت لدي حينها صورة رومي شنايدر المتوفاة للتو وهي في أوج عطائها وإشراقها وبهائها ، بما رافق موتها من هالة وغموض ، بصورة كاترين المشرفة على موت مُعلن ومعروض مباشرة على شاشات "تلفزيون الواقع" الذي لم يكن بعد قد عرف طريقه للجمهور الواسع كما هو الحال الآن.
وكان ذلك الإنطباع لدي ناتجا من كوني قادما للتو من أسلوب للمشاهدة، يختلف تماما عن تقاليد المشاهدة في النادي السينمائي، والذي لم يكن يقودني فيه سوى " حدسي السينمائي" ، و تتبعي لمسار نجوم طبق صيتهم الآفاق، مما جعلني أتعرف من خلالهم على أفلام ستصير بعد ذلك من كلاسيكيات السينما، كروبير دينيرو في "صائد الغزلان" (1978) لمايكل شيمينو، و دستين هوفمان وميرل ستريب في "كرامر ضد كرامر" (1979( لروبيرت بينتون ، و روبيرت ريتفورد وفاي دونواي في "أيام الكوندور الثلاثة" (1975) لسيدني بولاك، وكان ربما فيلم "هير" (1979) ، هو الاستثناء الوحيد لدي في تلك الفترة، كونه لم يكن يضم نجوما معروفين من وجهة نظري آنذاك ، وحتى دون أن أعلم من هو ذاك المخرج المسمى ميلوش فورمان، لكنه جذبني لمشاهدته رغم كل شيء.
لكن "فرجة" النادي السينمائي ، وابتداء من أفلام ك"الموت مباشرة"، جعلتني أفتح عيني على أهمية المخرج السينمائي، ودوره الكبير الذي "يتفوق" على أهمية ودور الممثل، إلى درجة الإهمال الكلي لدورهذا الأخير الأساسي في أي عمل سينمائي ناجح، عند بعض المدارس والتوجهات السينمائية.
ورغم كل ذلك، لم أستطع أن أتخلى بعد هذه الفترة عن عشقي لأداء أولائك الممثلين الكبار، الذين لم تزدني الإضاءات التي ألقاها التحاقي بالنادي السينمائي على"رؤيتي" السينمائية ، سوى انبهارا بهم وبأدائهم. ومن بينهم الرائعة رومي شنايدر التي كان فيلمها "الموت مباشرة" ، من بين أفلام أخرى، صلة وصل للعبور من مرحلة في المشاهدة السينمائية إلى مرحلة أخرى، والذي وأنا أعيد الآن مشاهدته، أجدني أصاب بخيبة أمل ، ناتجة عن تكسير أفق انتظاري في معاودة الإحساس بتلك الدهشة الأولى لعين كانت مازالت تتمرن على المشاهدة الناقدة، وفي طريقها للوصول إليها ، فقدت براءتها الأولى.