أرتدي معطف مشمع، يبدو جسدي تائها وسطه. أقطر سفينة شهرزاد رقم 13564/ آسفي لإغراقها بعد أن استنفدت حكايات لياليها، وانقضت سنوات صلاحيتها المحتومة.
قرقعة الهيكل المسكون بالفراغ، والمتمايل، تشعرني وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة.
صار البحر مقبرة لأحلام، للحظات سعادة، لعمر من عشق الإبحار ومعانقة رصيف الموانئ.. لكل المشاعر المتناسلة على امتداد الأفق. لم تعد زرقته في صفائها المعهود. تدثرت بلون الرمال. صارت قاعا من دون قرار. وكنت أغوص في مراتع الخمر لعلني أجد فيها يمي المفتقد.
تنوس القاطرة. صفحة البحر تجلوها نسمة مفرغة من الرياح. انبساط شبه تام. أشعة الشمس ترتطم بصلابة زرقة اليم المعتمة. متجاوزا "لاسركا" (1) تلوح على الشاطئ صخور جرداء. هجرها المحار والطحالب. تغسلها مياه ضحلة نبذتها الأسماك. وهجرت شاطئها الطيور.
كلما غارت سفينة قرب "الفارو" أسمع حشرجة ابني وهو يتدثر بالأعماق.
في الليالي المقمرة أجلس لأواسي البحارة الذين قضوا في البحر. تجود أحيانا صفحته بصفائها لتسمح بتسللهم عبر رذاذ الموج. كل قطرة تشكل عالما بلوريا تسبح فيه أرواحهم.
تموج صفحة اليم بالأهازيج، ببريق الأعين المترقبة،بنفحات الحنين. تختلط. تتماوج. تنوس بالرغبة. كلنا يحاكي سندباده. ويسرد لياله الألفية. نمني النفس بالآمال والعودة.
تتجشأ اللحظة عبثية الحياة. النوارس نافرة من تشييع الهيكل لمثواه الأخير. تفتقد فيه نبض الحياة وهرج البحارة احتفاء بالصيد. لا تود أن تقوم شاهدا على حتف الفلك بعد أن جال مترعا بالحياة. فأهجر مكاني محلقا في سمائها.