سنة كاملة مرّت على طلوع الشاعر سعيد سمعلي إلى السماء لتدوين ملاحمه الكبرى فينا وفي أحوالنا وفي الفتنة التي جرفتنا بعيدا عن تلك البساطة التي عاش فيها بين دروب سطات ، من نزالة الشيخ إلى حي سيدي بوعبيد ، منعرجا على سيدي الغليمي ثم الأصدقاء المنتشرين بالمقاهي يجادلون الزمن والقدر. يكتب عن آدم الذي يحيا ويموت فينا على صفحات السماء التي نرفع إليها رؤوسنا العارية كلما ضاق بنا الحال .
سعيد أحمد سمعلي واحد من شعراء سطات الشامخين في مدينة يخفي فقهاؤها وعلماؤها وقضاتها وزجّالوها ،عبر تاريخها الأسطوري، أشعارهم الحارقة كما يخفي الفارس قوسه. ماتَ بعدما عاش صخب الحياة المغربية واستطاع أن يُحولها إلى كلمات ونصوص سرية وعلنية.
***
في مثل هذا اليوم ، ثامن عشر فبراير من السنة الماضية ( 2012) ، توفي الشاعر المغربي ، ابن الشاوية سعيد سمعلي الذي ولد من سنبلة الشعير في مطلع مارس 1947، في قرية الهدامي، المعاشات، إقليم سطات. وبُعيد انتفاضة مارس 1965 مباشرة ، شرع ينشر نصوصه الشعرية ومقالات الرأي في عدد من المنابر الوطنية العلم، الكفاح الوطني، البيان، المحرر، الاتحاد الاشتراكي؛ ومنابر عربية .مثلما ساهم في إنعاش المسرح محليا ووطنيا من خلال انشغاله المسرحي كتابة وإخراجا وتمثيلا .وقد خلَّف أضمومتين شعريتين ،فقط، "وردة الشعر"2001 و "هشاشة القصب" 2009.كما ترك الشاعر نصوصا مكتملة من شعر ومسرحيات ومقالات وأفكار ومشاريع تعبر عن مثقفي عضوي عاش بوعي ووجدان كبيرين في مدينة صغيرة .
قال فيه الروائي مبارك ربيع ، المعاشي، «سي سعيد سمعلي مع القرب الروحي والعائلي الذي كان بيننا، لم أكن أراه إلا مسافرا، بل مهاجرا في وطنه، صانعا هجرته بنفسه لنفسه، ناسجا خيوطها من ذاته، ولا تعني الهجرة كرها لتربة الوطن، بل هي غاية الحب ومنتهى العشق لذات الوطن.
ووصفه حسن نجمي، المزابي ، بأنه مثقف عصامي عرف بنشاطه في إطار مسرح الهواة٬ ونشر قصائده في الصحف المغربية والعربية. اختار شجرة أنسابه في الكتابة الشعرية، اختار أن يكون من الذين يواصلون الأفق الشعري والجمالي والنضالي مثل نيرودا ولوركا وناظم حكمت وأحمد المجاطي، إذ أنه لم يكن يكتب القصيدة ليزجي الوقت، بل كان يخرجها من دمه وروحه مثل جمرة مشتعلة، وكان يريد لقصيدته أن تكون لسانا لكل الذين انتمى إليهم. مرآة لشهداء المغرب، شهداء الحرية والديمقراطية.
مثلما نعاه أصدقاء كُثر من أدباء ورفاق على مدى نصف قرن أو يزيد ، ومؤسسات ثقافية أكبرت فيه الشاعر الخلاق والمتخلق .
وقد مدّتنا الشيماء سمعلي ، ابنة الشاعر، بمقطع من إرثه غير المنشور وهو رواية (آدم ) كان قد شرع في كتابتها ومنها هذه البداية :
النهوض: 18ـ 10ـ2011
استجمعتُ قواي ووقفتُ على الأقدام، غمرتني دهشة كبيرة بهذا التحول المفاجئ. نظرت حولي فوجدت الأطيار و الأشجار و الحيوانات والحشرات و لكن لا يشبهني أحد، نظرت إلى فوق فلاحت لي السماء بطولها و عرضها وهي كذلك لا تشبهني، غير أنني أحسست بانسجام كبير مع هذا المحيط برغم اختلاف خلقنا ذلك أننا نلتقي في حب شيء واحد هو الحياة.
التفتُ خلفي عندما أتت إلى سمعي هسهسة خفيفة فإذا بي أجد نفسي أمام شجرة عارية، تكوين جسمها يشبه تكويني بوجود اختلاف يتجلى في شعر الرأس الطويل الذي يغطي جسمها، والصدر الناهد الشهي، وبين فخذيها مخلوق هجيني فاندفعت إليها و ضممتها إلى صدري، فضمتني بنفس الحرارة و الاشتهاء والرغبة. اتحد جسمانا و اندغمنا في بعض حتى صرنا كتلة واحدة. سهونا و غرقنا في سبات عميق.
فرحتُ بهذا المخلوق الذي يشبهني ركضنا في الغابة معا، طاردنا الطيور و النحل و الأرانب و الفراشات، وصادفتنا بحيرة فغطسنا في أعماقها فاكتشفنا فيها أسماكا ملونة تطارد بعضها البعض، وهكذا بدأنا الحياة معا.
محاكاة: 02 ـ11ـ2011
لم نتجاوز الحيز الذي تعرفنا فيه على بعضنا البعض، خوفا من أن نتيه أو نضيع. البحيرة و الغابة هذا كل ما نعرفه من هذا الكون.
قلدنا المخلوقات الأخرى في عيشها. نأكل مما تأكل و نشرب مما تشرب، حتى العش الذي يأوينا شيدناه فوق الأشجار مثلما تفعل الطيور.
بالصدفة وفي أمسية ما هبت عاصفة رعدية ما، نشرت الذعر والرعب في نفوس جميع من في الغابة، وشب حريق مهول لم تنج منه الأشجار و لا الأطيار و لا الحيوانات الأليفة، ولا حتى الثعابين و الحيات داخل الجحور.
وقفنا مشدوهين أمام ما يحدث، تساقطت فراخ مشوية أمامنا فحركت جوعنا فبدأنا في التهامها وكم كانت لذيذة وشهية، هبت بعض لحظات أمطار غريزة و حل بالحيز صمت رهيب.
بدأنا نفكر في اللهب، وأين تختفي النار؟ إنها في الخشب طبعا ولكن كيف يتم إليها و بأية طريقة؟