المرأة المغربية بين الصورة الإعلامية والواقع الاجتماعي
|
فاطمة الزهراء المرابط
|
"المرأة الجسد، المرأة الضحية، المرأة التقليدية، هي الصور الطاغية على الإعلام المغربي في غياب إستراتيجية إعلامية واضحة، تكسر دونية المرأة واضطهادها في ظل العادات والتقاليد السائدة في المجتمع. إستراتيجية إعلامية تنفض الغبار عن الدور الكبير الذي تلعبه المرأة المغربية في شتى المجالات الأدبية، الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، العلمية والفنية..." لقد كثر الحديث عن المرأة المغربية وحقوقها ومساواتها بالرجل، إلى أن صار موضوعا متداولا ومستهلكا في مختلف المنابر الإعلامية الورقية والالكترونية، السمعية والبصرية. غير أن الحديث عن المرأة ظل موضوعا عاما وموسميا، ولا يحتل سوى حيز ضيق في بعض المقالات التي تتخذ المرأة موضوعا لها. وهي مقالات غالبا ما تُنشر على هامش جريدة يومية أو مجلة نسائية، هذه الأخيرة التي تولي أهمية كبيرة للمواضيع المتعلقة بالطبخ، الجمال، الديكور، الأزياء التقليدية والعصرية، الأبراج، الأخبار الفنية وكل المواضيع التي من شأنها شد انتباه القارئات من النساء اللواتي ينتمين إلى الفئة الاجتماعية الميسورة. في حين تظل المرأة الخادمة والمرأة العاملة والمرأة المهمشة والمرأة القروية، مجرد موضوع لمقالات موسمية يروج لها خلال اليوم العالمي للمرأة (8 مارس)، هذا اليوم الذي يعتبر مناسبة للاهتمام بالمرأة ومناقشة همومها وقضاياها الشائكة بشكل لا يرقى إلى المستوى المطلوب في بعض الندوات والتحقيقات التلفزية أو الإذاعية. خاصة وأننا في ظل مجتمع ذكوري، يعتبر المرأة كائنا ضعيفا يحتاج إلى وصاية الرجل (الزوج، الأب، الأخ، الابن،...)، الذي يُحدد لها مساحة معينة للمشاركة في مختلف مناحي الحياة العامة، لتتماشى مع الأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع، والدور النمطي للمرأة، بغض النظر عن المكتسبات المميزة التي حققتها في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية... إذ إن المجتمع المغربي لا يزال مصرا على إعادة إنتاج الصورة التقليدية للمرأة واختزالها في الجسد والمتعة الجنسية والإنجاب. ويعتبر الإعلام بمختلف أشكاله، وسيلة فعالة لتسويق الأفكار وزرع القيم والمبادئ بين الأفراد، وكذا الترويج لمفاهيم تنال من الحقوق الأساسية للمرأة المغربية وترسخ صورتها التقليدية (الأم، الزوجة، الخادمة...) وتبعيتها للرجل، فيساهم الإعلام بشكل مباشر في إعادة إنتاج صورة المرأة الضحية، المرأة التقليدية، المرأة الاستهلاكية، المرأة الجسد، التي تُستغل في الإعلانات التجارية والوصلات الاشهارية (ضامة البنة، الدقيق الممتاز، الفوطة الصحية، وسائل التجميل، الشمبوان، منظف البيت...) وفي الملصقات واللافتات المعروضة بالفضاء العام، بهدف إغراء المشاهدين وشد انتباههم عبر تقديم إيحاءات جنسية مباشرة عن جسد المرأة على حساب إنسانيتها وروحها. ونجد أن أغلبية البرامج تكرس هذه الصورة في غياب إستراتيجية إعلامية واضحة حول مواضيع تخدم قضية المرأة المغربية. هذه الوضعية المتدنية لصورة المرأة في الإعلام المغربي الذي يركز على الأنثى/ الجسد على حساب المرأة/ الإنسان، مع تغييب حقيقي لنموذج المرأة المناضلة التي تعمل بشكل متواصل من أجل العيش الكريم وتشارك بفعالية في تنمية الوطن في شتى المجالات، وكذا تغييب مواضيع وبرامج حقيقية تساهم في معالجة قضايا المرأة المغربية التي ما تزال تفتقر إلى الأمان، الاستقرار النفسي، الاستقلال الذاتي عن الرجل، بل تفتقر بعضهن إلى أبسط الحقوق التي حددتها المواثيق الدولية ومدونة الأسرة، هذه الحقوق المتداولة نظريا والمنتهكة واقعيا. ونجد أن أغلبية البرامج الموجهة إلى المرأة سواء في القناة الأولى أو الثانية هي برامج اجتماعية وترفيهية في الأساس، تهدف إلى تسلية المرأة (ربة البيت بشكل خاص) وحصر اهتمامها في مجال ضيق ومحدود يحول دون تطورها وتطلعها إلى آفاق مغايرة، مما يكرس خضوعها واستسلامها للعنف المختلف الذي يطولها بشكل يومي في الشارع والبيت. خاصة وأن الإعلام المغربي يعمل على تغييب البرامج الحقوقية والتحسيسية التي تساهم في تأهيل المرأة المغربية وتوعيتها بحقوقها الأساسية، في حين يسهر على تقديم البرامج التافهة التي لا تساهم في مناقشة قضايا المرأة الشائكة. وعلى سبيل المثال: نجد برنامج "إليك" الذي يبث على القناة الأولى وهو عبارة عن مجلة نسائية تهتم بمواضيع متنوعة كالجمال، الرياضة، الموضة، الديكور والصحة، أضيف إليه مؤخرا فقرة تستضيف كاتبة مغربية وأحيانا باحثة اجتماعية أو محامية من أجل استقطاب مختلف الشرائح الاجتماعية من النساء. وفي السياق نفسه، نجد برنامج "صباحيات دوزيم" الذي يبث على القناة الثانية ويختلف عن برنامج " إليك" في التسمية فقط، هذا دون أن ننسى الفقرات الخاصة بالطبخ مثل "مأدبة" على القناة الأولى، وهو برنامج يحمل المشاهد إلى عالم الطبخ، تحت إشراف طباخ محترف يضع رهن إشارة المشاهدين طريقة تحضير الوجبات وتقديمها واستهلاكها بأحسن الطرق، هذا دون أن ننسى البرنامج الشهير "شهيوات شميشة" الذي خرب بيوت كثيرة واستنزف ميزانية عدة أسر مغربية، بسبب الوصفات الغريبة والمكلفة ماديا التي تعرضها مقدمة البرنامج على القناة الثانية، وبرنامج "لالة العروسة" الذي يمتع المشاهد المغربي لعدة أسابيع باستعراضات كوميدية. وغيرها من البرامج التافهة التي تستهلك الوقت ولا تقدم أي إضافة نوعية للمرأة المغربية، بل تساهم في ترسيخ دونيتها واضطهادها، وتشجيع بعض الأفكار المتداولة في المجتمع، والتي تصر على أن المرأة وجدت فقط للمتعة الجنسية من خلال تسليط الضوء على جمال ورشاقة جسد المرأة ومستجدات الموضة التي تشكل موضوعا أساسيا لمختلف البرامج والمجلات النسائية وأنها خلقت للمطبخ من خلال تقديم نصائح ووصفات تهم هذا الميدان، على حساب ثقافتها وتطورها ورقيها لتكون عنصرا فاعلا في المجتمع. والسؤال المطروح هنا، ماذا يقدم الإعلام المغربي للمرأة؟؟ وهو يتفنن في تقديم البرامج التافهة بما فيها المسلسلات والأفلام المغربية، التي تركز على نماذج معينة من النساء: المرأة ضحية العنف والاغتصاب التي لا تملك نفسا للصراخ والدفاع عن نفسها، المرأة المطلقة التي ترافقها نظرة المجتمع المحتقرة، المرأة الحامل من علاقة غير شرعية، الخادمة الساذجة التي تقع ضحية تحرش المُشغل، العاملة الفقيرة التي تبيع جسدها مقابل لقمة العيش أو العاملة المضطهدة في حقوقها...، وإن تصادف وكانت بطلة الفيلم: موظفة في القطاع العمومي أو الخاص، محامية، قاضية، معلمة، فاعلة جمعوية،.. فهي معرضة للاضطهاد والعنف والتهجم من طرف الأسرة والمجتمع بشكل عام. وكأن الدراما المغربية لا تملك قصصا أو سيناريوهات عن امرأة نموذجية، ناجحة في حياتها وعملها، تشجع المرأة المغربية على التطور والتقدم من أجل إثبات وجودها في المجتمع. ولا شك أن لهذه الصورة تأثيرات سلبية مباشرة على المرأة من جهة، بحيث تكون لديها شعورا بالنقص والإيمان بأن وظيفتها الطبيعية لا ينبغي أن تتجاوز حدود جغرافية الجسد. ومن جهة أخرى على المجتمع الذي يصعب إقناعه بالأدوار الإيجابية والتنموية للمرأة في الحياة العامة. الصورة السلبية التي يقدمها الإعلام عن المرأة تُوقع المتلقي في حيرة كبيرة بين خطاب يدعو إلى مشاركة المرأة في النهوض بالمجتمع وولوج مراكز القرار وصور إعلانية نمطية تكرس تشييئ ودونية المرأة المغربية...
|
|
|
فاطمة الزهراء المرابط-أصيلة-المغرب (2013-01-11) |
Partager
|
تعليقات:
|
جبار فرحان العكيلي
/العراق بغداد |
2013-02-08 |
ليس هناك اضطهاد من الاخر انما هناك سوء فهم من قبل المرأة لقدراتها وامكانياتها ودورها الفاعل في المجتمع حيث ان الحياة بدون المرأة لايمكن لها ان تدوم فان فهمت المرأة هذه الفكرة بكل تاكيد ستاخذ مكانتها الحقيقية
|
البريد
الإلكتروني : jabar farhan @gmail .com |
سعيد كريم
/الاردن |
2013-02-04 |
ليست فقط وسائل الاعلام الموجهة وطنيا التي تهمش المرأة.. المرأة العربية مهمشة منذ قرون طويلة وماتزال تناضل من اجل كرامتها وقدرتها على التميز تماما كالرجل ولكن اتفاقات رجل الدين ورجل الدولة يحول دون ذلك, المجتمعات العربية مسخرة ومتفقة على ان الرجال قوامون على النساء... نحن مانزال نعيش في خاصرة الصحراء والزمن قد تعدانا وسخر من افكارنا الذكورية الصحراوية, نحن مانزال نعيش زمن الرسول والسحر والجن واساطير هجرها العالم المتحضر .
|
البريد
الإلكتروني : abach@india.com |
العربي الرودالي
/تمارة-المغرب |
2013-02-04 |
المرأة العربية في حقيقة الأمر لم تخرج من المرحلة الدعواتية لقاسم أمين، فهي تختزل تحررها ومطالبها فقط في التبرج والعري...يلزمها بالأحرى أن تطالب نضالا بكرامتها وإنسيتها، ضد تشييئها واعتبارها متعة جسدية مباحة، وواجهة إعلامية استيتيقية، وكذا ربحا اقتصديا، وتجارة استهلاكية...فلتنهض ضد هذا "الحداثة" الرخيصة هي وأخوها الرجل، نحو الادطلاع بالمسؤوليات البنائية بدءا بالأسرة ومحاربة التخلف في الذات
|
البريد
الإلكتروني : mr.roudali@yahoo.fr |
فريد كومار
/المغرب |
2013-02-03 |
جزء كبير من الغبن الواقع على المرأة إعلاميا ساهمت غيه المرأة شخصيا بتساهلها في حقها وتباطئها في رد فعلها.. وكاتفائها بمقعد التفرج السلبي بدلا من المشاركة الفاعلة..عليها ان تؤمن بقدراتها وإمكاناتها وتعتز بخصوصيتها الجميلة كامرأة.. ولا تنكرلها كخصوصية منتقصة.. فإعلاؤها لقيم الحب والخير والجمال في ثوب العفاف والحشمة وتحت مظلة الضوابط الشرعية لا ينقص من رجاحة عقلهاوتميز فكرها...
|
البريد
الإلكتروني : farid.kumar@hotmail.fr |
أداري
/المغرب |
2013-01-31 |
سيدتي، تحليلك صائب، لكن الإعلام في المغرب لا يقدم صورة تثمينية لا للمرأة ولا للرجل. الرجل بدوره أصبح مثل المرأة مغلوبا على أمره، غارقا في البطالة والفقر، أو غارقا في الديون إن كان موظفا. واقع الأمور في المغرب واقع معقد: الحقوق بمعناها الشامل، وليس بمعناها الفئوي، حقوق غائبة أو مغيبة. ولن تكون هناك كرامة للمرأة أو للرجل إلا ببناء مجتمع ديمقراطي حقيقي، يسوده القانون والتقسيم العادل للثروات. هذا هو التحدي، وما لم يحدث هذا النوع من التغيير في المغرب، ستظل حقوق المرأة مهدورة، وستظل حقوق الرجل ضائعة.
|
البريد
الإلكتروني : adaribrahim@gmail.com |
عزيزة رحموني
/المغرب |
2013-01-19 |
تحياتي فاطمة
|
البريد
الإلكتروني : |
|
أضف
تعليقك :
|
|
الخانات * إجبارية |
|