أمسك الأوراق بين يديه، أخذ أنفاساً وأقسم مراتٍ عدة مع نفسه، أنها ستكون آخر مرة ينحني، وسيرمي بها على طاولة المكتب أمام ناظريه ويعلن اسقالته، ثم ينصرف مرفوع الهامة.
دق الباب، ثم فتحه ودخل، تطلع به وهو يوقع بعض الأوراق، فوقف مكانه صامتاً، ينتظر نظرة منه، إلى أن احترقت أفكاره، وتشتت حروفه التي استخرجها من قاموس جديد، أهداه له صديق بعنوان: التحرر الأبدي من كل شيء لا أبدي! فزفر أنفاساً حانقة، فانتبه المدير وتطلع به قائلا:
_لدي قرارٌ يهمك
فنطق متلعثما بصوتٍ خفيض:
_ وأنا أيضا لدي قرار سيدي
حرك المدير رأسه، ثم مال على كرسيه إلى الوراء قائلا:
_ لقد عينتك رئيسا للقسم الذي خدمت فيه سنوات..
دارت عيناه مما سمع، وابتلع حروفه المشتتة بعسر، فارتسمت على محياه ابتسامة عريضة فقال له:
_ تستحق هذا المنصب، ولكن قل لي ما هو قرارك؟
نفض عنه غبار القاموس الجديد وقال:
_ ليس له أية أهمية بعد قرارك سيدي!
ثم وضع الأوراق فوق طاولة المكتب بهدوء، وانحنى مثل كل مرة.