كانت تجمعه بهم سفينة صيد إسبانية لم تزر اليابسة منذ ثلاثين يوما..
في العشرة أيام الأولى بدى لهم نشازا وغريبا ببشرته الداكنة، التي لفحتها شمس الجنوب، وكذا شعر ذقنه الكثيف، الذي لم تقبله موسى الحلاقة منذ أن وارى التراب جثمان والده ..أضف الى ذلك صيامه عن الكلام ..وعناده..وتفانيه في العمل..
فعرضوا عليه مرارا وتكرارا شرائح شهية من لحم الخنزير..لكنه كان يشير بسبابته إلى السماء ويرفض...
في العشرة أيام الوسطى ألحوا عليه مشاركتهم النبيذ والجعة والرقص على موسيقى الفلامينكو ..لكنه كان يتوضأ بماء البحر، ويولي وجهه شطر المشرق و...يرفض..
في العشرة أيام الأخيرة أهدوه مجلة للصور الخليعة ،ونصحوه بالترفيه عن نفسه قليلا..لكنه وكعادته أشار بسبابته إلى السماء، وضغط بأصابعه على حبات مسبحته وأغمض عينيه ورفض..ولما تيقنوا من صدق ورعه خلعوا عليه لقب "سانتو" أي القديس...
ذات صباح أزرق شفيف وهادئ، استفاق "سانتو" باكرا، وكان البحر لا يزال يحيط به من الجهات الأربع..فخلع ثيابه وقفز إلى البحر..بعدها التهم شرائح كبيرة من لحم الخنزير..وصب في جوفه عدة أقداح من النبيذ..وراقص كل رجل على حذه على إيقاع موسيقى جد صاخبة ..حينها صعد إلى ظهر السفينة حاملا معه موسى الحلاقة ثم...تأمل الأمواج بحزن شديد وهي تتلاعب بلحيته شديدة السواد..
في الليل استعار من أحدهم المجلة الخليعة وقصد الحمام..
وبينما كان البحارة يحمسونه هاتفين: "سالتو.. سالتو" أي "قفزة"، كان لسان الغريب يلهج بالإستغفار، وهو يستعرض أمام ناظريه صورة لزوجته وأبنائه الخمسة، بدل صور المجلة الخليعة، التي ارتوت كثيرا بدموعه الساخنة..