في طريقي إلى عملي ،أطوي الأرض طيا، أحرق التبغ والتبغ يحرقني، وعقلي المتعب يرصد توتراتي الداخلية.. أمام جدار نصف عار استوقفتني امرأة عجوز تحمل حقيبة يدوية مهترئة، وقد اشتعل رأسها شيبا، وعيناها تدوران في محجريهما، تبدوان من وراء زجاج نظارتها السميك صغيرتين كحبتي أرز. بصوت مبحوح قالت: "بني ساعدني على عبور الشارع". لم أتردد، كعادتي أمسكت بيدها النحيلة وهي تدب ببطء كالسلحفاة، بينما أنا ألتفت يمنة ويسرة متوخيا الحذر، حتى بلغنا الجهة الأخرى من الشارع. قلت لها: "ها أنت قد بلغت مرادك" وأنا أحاول تخليص يدي من قبضتها وهي متمسكة بها فوجئت برجل طويل عريض المنكبين، مفتول العضلات، يحتضنها بقوة يقبلها ويسألها: "أين كنت؟ لم أترك مكانا خطر على بالي إلا بحثت وسألت فيه عنك،وهي ملتصقة به، ترتعد مظهرة خوفها مني، أشاحت برأسها اتجاهي، وبصوت منكسرممزوج بالبكاء قالت: "كنت مع هذا الرجل، قد جاب بي كل أرجاء المدينة، أتعبني كثيرا، وأشبعني سبّا وأمطرني بوابل من النعوت البذيئة.. ما كادت تنتهي من كلامها حتى انقض علي كنمر شرس، مطوقا عنقي بيديه الكبيرتين القويتين، كأنه ممسك برقبة طائر محاولا إخماد أنفاسي، صارخا في وجهي: "كيف سولت لك نفسك المريضة أن تخطف امرأة في سن جدتك؟. تقاطر المارة، سرعان ما كونوا حلقة، انسل من بينهم شاب محاولا تخليصي من بين يديه ملتمسا لي البراءة . تدخل رجلان من الخلف، أمسكاه من كتفيه وسحباه الى خارج الحلقة، ليقتحم المكان رجل أنيق أخرج من جيب سترته بطاقة مررها أمام أعيننا بسرعة البرق، معرفا نفسه وسائلا في نفس الوقت.(البوليس) آش واقع؟ أجابه الرجل وهو لايزال ممسكا بي وبقوة."هذا الحقير اختطف امرأة في سن تناهز التسعين "وضع (البوليس) حنكيه بين راحتيه مشدوها بهول ماسمع، أشارالي ببنانه وقال."مشيت فيها اولد الناس ع الأقل عندك خمس سنين ديال الحبس".. جف الريق في حلقي ولم يعد بميسوري قول أوفعل أي شيء. ارتعشت أطرافي، وتفككت مفاصلي، وسرت برودة بين أضلاعي كما تسري النار في الهشيم. خارت قواي، غاب الضوء عن ناظري وهويت أرضا...بعدها استفقت على لطمات تداعب خدي، ومبتل من رأسي حتى قدماي. فتحت عيني على الرجل و(البوليس) ووجهيهما تعلوهما ابتسامة صفراء يطمئناني بقولهما: "ما عندك باس..ماعندك باس.. راك شاركت معنا فالكاميرا الخفية...استشطت غضبا قمت كالثور الهائج صارخا بهستيرية في وجهيهما "للا ماتكم أولاد.......مشي الكاميرا الخفية". وأنا أبحث عن (الشارفا الهارفا)العجوز الشمطاء.