كوكب القردة هو واحد من أشهر كلاسيكيات هوليود التي عششت في الذاكرة
السينمائية؛ حيث أتيحت لأجيال منا فرصة مشاهدة أحد أجزائه الكثيرة التي
اختلفت في قصصها وتصوراتها، ويعود تاريخ أول إصدار لهذه السلسة إلى سنة
1968 بفيلم "كوكب القردة" للمخراج "فرانكلين شوفنر" الذي يحكي عن وقوع
مركبة فضائية في كوكب مستقبلي تحكمه القردة حيث سيعمل هذا الفيلم على عكس صورة الحضارة فيصير البشر مجموعة من القطعان الهائمة على وجهها في البراري بينما القردة صانعة تقدم وحضارة، و قد حصل هذا العمل على جائزة الأوسكار الخاصة بالماكياج كنتيجة منطقية للجهد الكبير الذي بدله فريق
العمل في هذا الجانب، كما شكل مصدر الهام لأعمال أخرى جاءت بعده، سواء
تلك التي حافظت على جوهر القصة، أو التي استفادت من أحد الجوانب التي كان
هذا العمل سباقا إليها، ويمكننا أن نعتبر مطمئنين أن أغلب هذا المنجز
هو في الواقع أجزاء لهذا العمل المبكر؛ كفيلم "تحت كوكب القردة "1970
وغزو كوكب القردة "لجاك لي تومسون" 1972 و"معركة من أجل كوكب القردة" سنة1973، ليُقدم المخرج "تيم بيرتون" على إنتاج أحد أنجح أفلام هذه السلسة سنة 2001، هذا بالإضافة إلى المسلسلات التلفزيونية وكذلك مسلسلات الرسوم المتحركة، التي اشتغلت على نفس التيمة. ومادام الأمر في كل هذه الأعمال متعلق بالقردة فإن الأمر يستدعي استرجاعا قصيرا لصورة هذه المخلوقات؛ حيث سنلاحظ أن العلاقة بينها وبين البشر كانت في أغلب الأحيان علاقة متوترة، سواء خفت هذا التوتر أم اشتد، إلا أن الثابت أن القردة في هذه الأعمال لم تكن أبدا تلك الحيوانات التي ألفناها تتسلق الأشجار وتتخذ من الغابة مأوى؛ بل الأمر مختلف تماما ولعل من أهم المشاهد التي تؤكد
هذا الطرح مشهد غوريلا على ظهر حصان ترتدي زيا عسكريا وتحمل بندقية في الفيلم الكلاسيكي "كوكب القردة عام 1968"، وهذه الصورة لا تختلف كثيرا
عما سنشاهده في النسخة الجديدة لفيلم "صعود كوكب القردة/ Rise Of The
Planet Of The Apes " في نسخته الجديدة من إخراج "روبرت ويات" وكتابة
"ريك جافا و أماندا سيلفر"، سنلاحظ أن هذا العمل قد اتخذ كل الأعمال
السابقة متكأ وتمهيد؛ حيث استفاد أولا من شهرتها الواسعة كما استفاد
مخرجه من كل القصص السابقة ليتجاوزها جميعا عن طريق البحث عن مناطق
إبداعية جديدة سواء من حيث حبكة القصة وتشويقها أو تسخير كل ما هو متاح
تقنيا، بالإضافة إلى اختيار قصة تعالج قضايا آنية كالتجارب على الحيوانات
و علاج مرض "الزهايمر" وكل هذه العناصر أثمرت خصوصية مميزة كوقوع الفيلم في منطقة وسطى بين الخيال العلمي والواقع دون أن يستقر في أي من حدودهما الواضحة، ورغم أن هذا العمل يعيد تسليط الضوء على هذه السلسلة فهو يسلك خط فنيا متميزا يجعله ينسج لنفسه قصة جديدة تدور أحداثها في المختبرات العلمية حيث يجري عالم شاب "ويل رودمان /جيمس فرانكو" برفقة فريقه تجارب علمية بهدف إيجاد علاج لمرض "الزهايمر" وقد وقع اختيارهم على مخلوقات الشامبانزي لتكون وسائل لتجاربهم فتحقن بعقارات معدلة جينيا؛ وجاءت النتائج مبهرة لفريق العمل حيث لاحظ ارتفاع كبير في معدل ذكاء القردة
وسلوكها، لكن الأحداث ستعرف منحا آخر حينما سيحمل البطل قردا صغيرا معه
إلى المنزل بعد أن قُتِلت أمّه التي اقتحمت قاعة الاجتماعات. وفي البيت
يعامل هذا القرد معاملة الإنسان سواء من جهة البطل أو والده الذي نشأت
بينه وبين القرد/سيزر علاقة حب قوية، أما عقدة القصة ستبدأ حينما سيقوم
والد البطل (الذي يعاني من مرض الزهايمر) بمحاولة لسياقة سيارة الجيران
فيتسبب في فوضى مما جعل صاحب السيارة يقوم بضربه ومعاتبته على مرأى من سيزر الذي يحمل حقدا دفينا لهذا الجار فيدفعه ذلك إلى الدود عن والد
البطل بكل شراسة، لكن الأمر كلفه الدخول إلى مركز أشبه ما يكون بالسجن
وهناك سيفتقد حياة المنزل بكل تفاصيلها، وبعد اقتناعه بأن ذلك صار من
الماضي بدأ في التكيف مع محيطه الجديد معتمدا على ذكاءه الكبير بفضل
العقارات التي حقن بها سابقا، فيسخر هذا الذكاء في محاربة البشر بعدما
أحس بالخيانة، وسيؤسس من داخل عالمه الجديد لثورة القردة ويعمل على توحيد
صفوف بني جنسه ثم تحرير كل القردة المحتجزة لتحصل مواجهات دامية بين
البشر والقردة، تنتهي بوصول القردة إلى الغابة حيث الحرية المنشودة.
إن العلاقات بين الإنسان والقردة هي قديمة سواء من حيث بعض
النظريات القديمة التي تجعله أصل الإنسان أو من حيث المقارنات التي تعقد
بينهما في مختلف العلوم نظرا لاشتراكهما في العديد من الصفات والخصائص؛
وفي هذا العمل سنجد أثرا لكل هذه الأمور ؛ حيث سيكون اختيار القردة
كوسائل للتجارب نابع من التقارب بينها وبين البشر، وهذا العمل كذلك يلقي
بدائرة ضوء كبيرة تكشف عن مجموعة من القضايا أهمها ذلك التطور الكبير
الذي يجري خلف جدران المختبرات العلمية؛ فهذا الأمر سواء في الفيلم أو
الواقع لا يعرف الحدود مما سيؤدي إلى انعكاسات خطيرة على المجتمعات
البشرية، ويدخل ضمن ذلك تلك العقارات المعدلة جينيا، رسالة أخرى تولد من
رحم الأولى وهي سوء معاملة الحيوانات واضطهادها، واستغلالها في التجارب
الطبية، بالإضافة إلى احتلال مواطنها الطبيعية أي الغابة.
إن مشاهدة هذا العمل وفهمه ستوجهنا بطريقة ناعمة إلى ربط قصة هذا
العمل بما يجري في الواقع، والحديث هنا عن ثورة القردة والثورات التي
شهدها العالم العربي، وقد كان هذا لمعطى سببا في نجاح هذا العمل في بعض
دور العرض العربية خصوصا تلك التي سلكت طريق الثورة، حيث سنجد أن الثورة هي غريزة حتى عند الحيوانات وهي نتيجة حتمية للاضطهاد والقمع والظلم، لكن الثورة في الفيلم كانت ثورة باستراتيجة دقيقة فلم يكفي أن لدى سيزر/ القرد البطل الرغبة في الهرب وقدرته على ذلك، لكنه كان يرفض الحل الفردي وكان يبحث عن حل جماعي لبني جنسه، وما يدعو إلى الإعجاب أيضا، تمثله لقاعدة في "الاتحاد قوة" لذلك عمد إلى تحرير باقي القردة بل حتى الموجودة منها في حدائق الحيوانات وهذه إشارة واضحة إلى عدم نجاح الثورة في ظل وجود الانقسامات التي قد تكون بالفعل هي السبب في عدم نجاح بعض الثورات العربية أو تأجيلها، بالإضافة إلى أن سيزر لم يطمح أبدا إلى استغلال هذه الثورة ليفرض نفسه زعيما؛ بل كان الهدف أسمى من ذلك وهو الحرية للجميع،والثورة التي قام بها سيزر كانت متميزة وفي نفس الوقت سلمية فلم يسمح
أبدا بإيذاء الأبرياء وإنما من كانت لهم علاقة مباشرة بمعاناة القردة.
قصة الفيلم تتميز بالوظيفة الاغرائية ذلك أنه يجعلك تقف على الفور في صف
هذه الحيوانات ويجعلك تتبنى مواقفها وتدعم اختياراتها أمام قمع الإنسان،
والبطل لم يكن أبدا جيمس فرانكو الذي أدى دور الباحث الشاب ولكن القرد
سيزر هو من حظي بهذا الدور، وعموما فالقردة قد خطفت الأضواء في قصة هذا الفيلم وسحبت البساط من تحت أقدام الممثلين وحتى المَشاهد التي لم تظهر
فيها القردة فقد كانت هي الموضوع الأوحد في الحوار الدرامي.
لقد عُرفت القردة دائما بقدرتها الفائقة على محاكاة الإنسان، لكنها في
هذا العمل تتغلب عليه، لكن المسألة ليست مسألة هزيمة أو نصر بقد ما هي
دعوة لعكس طرفي المقارنة خصوصا في ما يتعلق بموضوع الثورة.