-1-
مِن هُنا أَبْحَرَ زَمَنُ الّلا مُنْتَهى،
مٍن هُنا وراحَ عَبْرَ البِحار المُحال.
مِن هُنا أَقْلَعَت سَماءُ خَواطِرِ البال،
بَياضًا تَسامَت حتى عَوَتِ النّوارس،
وحَلّقَت في العَلْياءِ دَراويشُ الغِرْبال.
-2-
مِن هُنا اِبْتَدَأَ المَكان،
تَحْتَ شُرُفاتِ أَغْصانِ اللِّشّين،
جَلَسَت ظِلالُ بَناتِ تِشْرين،
وقَد أَفْرَشَت الحافَةُ عُيونها لِلنّظَر،
وفي قَلْبِها راحَت طَنْجَة أَمْواجًا وخَبَر.
-3-
مِن هُنا رَفَعَ البَحْرُ قَواعِدَ الرّايَة،
وتَمَوّجَ العِشْقُ قَدرًا وأَلْفَ حِكايَة.
مِن هُنا أَطَلّ على عُيونِ المُسْتَحيل،
فَراغٌ و صَلّتْ النِّهايَة على القَمَر الدَّليل.
مِنْ هُنا شُقَّ البَحْرُ نِصْفَيْنِ وعَبَر الخَليل.
-4-
مِن حَمَإِ طينَةِ الخَلْقِ و بِدايَة الفِلّين،
وشَهْوَة الحورِِ و طورِ تَواريخَ سِنين،
رَسَتْ سَفينَة "النّوح" على أَرْضِ الميلاد،
و أَفْرَغَت ما فيها لِرَبّ العِباد.
خَلْقٌ تَفَشّى في أَرْضِ الميعاد.
-5-
و "لِلْحافَة" في شاشَة الزُّرْقَة شِراع،
و لَها في شَهْوَة النَّفْسِ وفي البِحار،
وفي حَجيجِ زُوار هَذه البَلْدَة العَتيقَة،
أَمَلٌ فيّ جَوهَرَة فِراسَةِ الحَديقَة،
وعِقْد نورٍ مَسْكوبٍ في دُرُبٍ عَتيقَة.
-6-
تَحْتَ ظِلالِ الدّالِيَةِ "عُشْبَةُ حُلُمِ" وخَبَر،
وقَد فَرَشَ لَهُ البَحْرُ زُرْقَةً شاعِرِيّة لِلنّظَر،
والأنْثى ما تَزالُ في صُعود إلى صَوْمَعَةِ الآذان،
و عِنْدَ نافورَة الغَريب جَلَس إيقاعُ كَأْسِ الوَطَن،
كِلابٌ تَعْوي وقَوافِلُ بَشَر تُشَيِّعُ فُصولَ الهِجَر.
-7-
عِنْدَ آفاقِ حِياضِ الحافِة،
والآفاقُ شَريدَةٌ و الله قَريب،
والنّوارٍسُ أَمْواجٌ والبَحْرُ مَرايا نَبيذ.
جَلَسْتُ مُتَأَمِّلا تُغارِمُ روحي نَوايا المَنامَة،
عَلى رِسْلِها مَشَتْ "مَِرْيَمَتي" و آذانُ القِيامَة.
-8-
وقَدِمَ رَبُّ الثُّرَيّا والمُسْتَحيل،
لا نِهايَةَ لَهُ الحُزْنُ والأَلَمُ الدّفين،
أَوْراقُ رَبيعٍ على هَوى مَجْدولين،
حَليبٌ على هِلالٍ عَلى فِكْرٍ نَبيل،
عَرْشُ الحُبِّ أمْسى ظِلاّ وجَنا الجَنّتَيْن ميم.
-9-
وأنا عالِقٌ بِعُروشِها الحافَة،
تَأَمُّلٌ شاعِرِيّ وبَحْرٌ كشاشَة خُرافَة،
ومَقابر وَثَنِيّةٌ طَيّ الصّخورِ العَتيقَة،
نَسيمُ عُشْبَةٍ وتَقاليدُ شايٍ دَفينَة،
تَخْضَرُّّ النّجومُ وبِقَلبي تُحَلِّقُ السَّكينَة.
-10-
زُرْقَة سَمائِها "طَنْجَة" نافِذَةٌ لِلْمُصَلّين،
حُروفٌ قَمَرِيّة على شِفاه العاشِقين،
"عَدَوِيّة" تَحْتَرف النُّسْكَ ومِسْكَ الغايَة،
وفي قَلبِها الدّفين و في دُرُبِ "السّقّّاية"،
ثَمّة جَوى ونَجْوى وعَذاب وأُلْفَة وحَنين.