بعكس الدورات السابقة للمهرجان الوطني للفيلم جاءت نتائج الدورة 11منصفة نسبيا وعاكسة لصورة المشهد السينمائي المغربي.ففيلم "البراق" لمحمد مفتكر استحق الجوائز الست التي حصل عليها لكونه جاء في اليوم الأخير لِيَجُبَّ كل ماعرض قبله من أفلام والتي كانت أغلبها غير ذات قيمة فنية وجمالية تذكر، إلا إذا استثنينا فيلمين أوثلاثة ("الرجل الذي باع العالم" للأخوين عماد وسهيل نوري و"عند الفجر" لجيلالي فرحاتي، وحتى "فينك أليام" لإدريس شويكة رغم ماسقط فيه هذا الأخيرمن أخطاء في الإخراج).
لكن إذا أردنا أن نكون جد منصفين فإننا سنجزم أن الفيلم الطويل الأول لمحمد مفتكر كان نقطة ضوء شبه وحيدة ضمن أفلام المسابقة الرسمية للدورة الحالية لمهرجان الفيلم الوطني، إذ أنه(مفتكر) وَقَّعَ على عمل ببصمة خاصة ومختلفة، وحافظ على نوع من الاستمرارية، إذ نجد في فيلمه إشارات وعلامات سبق أن وردت في أفلامه القصيرة خصوصا "رقصة الجنين" (الخيل والبيض...)، إضافة إلى حضور مرجعيات لمدارس علم النفس عند "فرويد" و"يونغ" و "فاغنر"، رغم أن مفتكر كاد ينزل إلى مستوى الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، بإقحامه خطبة في علم النفس على لسان الشخصية الرئيسية، وكأننا به كان يخشى من عدم تمكن المتلقي-المشاهد المفترض من فهم خطاب فيلمه.
نتابع في الفيلم "حكاية" امرأة (شابة) اضطرها أبوها وهي طفلة لتقمص شخصية ذكورية والتنازل عن أنوثتها، حيث كان يرغب في أن يرزق بطفل ذكر.وبأسلوب غرائبي ومن خلال استرجاعات ذكية لعب مفتكر جيئة وذهابا داخل فضاء سوريالي وزمن ملتبس وغير محدد ،ليفاجئنا في الأخيربنهاية قوية و صادمة وغير متوقعة،تجعلنا كمشاهدين نحس برغبة في إعادة مشاهدة الفيلم لمرات عديدة لعلنا نكتشف في كل واحدة بعضا مما بثه مفتكر من علامات ورموز، ونحاول فكها.
وإضافة إلى هذا فقد جاء فيلم "البراق" متميزا على مستوى الكتابة، إذ استفاد مفتكرمن تجربته ككاتب سيناريو لينسج أحداثا وشخصيات ذات أبعاد نفسية معقدة ..وهو بذلك استطاع ضبط أدوات اشتغاله و تجاوز نقطة ضعف قاتلة(الكتابة) لطالما اشتكت منها السينما المغربية.
ولن نكون مجازفين إذا قلنا أن فيلم" البراق" سيشكل علامة بارزة ليس في مسار محمد مفتكر فقط بل أيضا في مسار السينما المغربية عموما،إذ على المخرجين المغاربة الآن، خصوصا المتميزين والجادين منهم وضع عتبة "البراق" أمامهم ومحاولة تجاوزها بأعمال ذات أبعاد فنية وجمالية مقبولة.
الأفلام الأخرى الفائزة بباقي الجوائزتفاوتت قيمتها الفنية والجمالية، ففيما تميزفيلم "فينك أليام" لإدريس شويكة، الحاصل على جائزة التحكيم الخاصة، بظهورمجهود واضح في كتابة السيناريو، لم يستغله المخرج- للأسف- بكيفية جيدة، جاء فيلم "شقوق" لهشام عيوش، الفائز بجائزة العمل الأول والمونطاج، مهلهلا ومفككا وفاقدا لأي رابط درامي ،أما فيلم "المنسيون" لحسن بنجلون الفائز بجائزة السيناريو فطغت عليه النبرة الخطابية والتحسيسية المباشرة، في محاولة من المخرج تناول تيمة استغلال الفتيات المغربيات وتشغيلهن كعاهرات في دول أجنبية.