أحمد موسى : أستاذ اللغة الفارسية وآدابها بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة / المغرب. صدرت له ترجمات لروائع من الأدب الروائي الإيراني الحديث، من ذلك ترجمة رواية "عيناها" لبزرك علوي، وترجمة وتقديم للمجموعة القصصية "آبشوران" لعلي أشرف درويشيان، وترجمة وتقديم لرواية "جن إيراني" لبهرام صادقي.
(سيمفونية الموتى) ليست مجرد قصة "قتل الأخ"، بل هي قصة قتل الأخوة. بغوصنا في عوالم سيمفونية "الموتى" تحس أكثر فأكثر بخلو مكان "الأحياء".
"سيمفونية الموتى" واحدة من الروايات القليلة المشهورة والجيدة خلال السنوات الأخيرة في إيران، أبدعها روائي ينتمي إلى الجيل الجديد من الروائيين. شهدت إقبالاً كبيراً من لدن القراء والنقاد على حد سواء. هي رواية ذات بنية متينة تتميز بأسلوب سلس. وظف الكاتب، عن وعي وبدقة ورقة، تقنيات خاصة في الرواية بشكل عام، وفي أقسامها المختلفة أيضاً.
درس عباس معروفي في كلية الفنون الجميلة بطهران وتخرج منها، وتخصص في الفنون الدرامية. درّس الأدب في المدارس الثانوية بطهران لمدة 11 سنة. وشرع في أنشطته الأدبية تحت إشراف الشاعر المعاصر هوشنج جلشيري. ويعمل في الوقت الراهن كاتباً وناشراً ويقيم في ألمانيا.
يستهل عباس معروفي "سيمفونية الموتى" بمقدمة مختصرة عن قصة قتل قابيل لهابيل من خلال افتتاحه بالآية رقم 26 من سورة المائدة. ولعل للكاتب دوافع جعلته يقحم هذه المقدمة القرآنية، من ذلك مقاربة "الذنب الأول" و"قتل الأخ لأخيه" بسبب الطمع أو الحسد أو الملك أو العشق.
"سيمفونية الموتى" ليست فقط قصة "قتل الأخ" البسيطة. بل إنها سيمفونية حياة الناس باختلاف اضطراباتهم الروحية والشخصية، الذين ارتبط مصيرهم بمصير المجتمع. المجتمع الذي تماثل حياتُه النارَ تحت الرماد، مجتمع يعلم الجميع أنه حي، لكن لا وجود لأمارة تدل على بقائه على قيد الحياة.
"سيمفونية الموتى" لمعروفي تبتدئ بقصة قابيل وهابيل وتعزف على وترها. ورغم أن أسلوب معروفي في سرد الوقائع اعتمد على البداية والنهاية، وتداخل الأحداث والعودة إلى الماضي بشكل متكرر (فلاش باك)، أي أنه خلق فضاءً في مقطع زماني قصير، لكنه في الآن نفسه كان يوسّع هذا الفضاء متوسلاً باسترجاع الماضي، وهي تقنية متداولة، ويمكن أيضاً ملاحظة أن معروفي في خلقه لقصة الرواية رسم دائرة، على نفس إيقاع السيمفونية الموسيقية، يتحرك على قطرها من الحركة الأولى إلى الحركة الثانية وإلى الثالثة، إلى أن يصل إلى الحركة الرابعة حيث يجد القارئ نفسه مجدداً في بداية القصة.
أسلوب السرد في "سيمفونية الموتى"، يمتاز بالرجوع إلى الماضي في زمن الحال، وتغيير الراوي يتم بسرعة كبيرة لدرجة يحتاج فيها القارئ، أحياناً، كي لا تضيع منه أحداث الرواية، الرجوع إلى الفقرة السابقة وإعادة قراءتها. ويتم تغيير الزمان من الماضي إلى الحاضر ومن الحاضر إلى الماضي وكأنك تشاهد فيلماً سينمائياً.
وأهم ميزة في الرواية من ناحية الأسلوب هو زاوية الرؤية ونوع الراوي. إذ يلاحظ في الحركات الأربعة وجود أربع رواة : أورهان وسورمه وآيدين وضمير الغائب العالم. وتغيير الراوي في أقسام الرواية أضفى عليها تشويقاً وحماسة.
تدور أحداث الرواية في مدينة أردبيل، وهي مدينة باردة تقع في شمال أذربيجان الإيرانية. زمان بداية القصة ونهايتها شتاء سنة 1977م. في هذا الفصل البارد المتجمد تقترب سيمفونية موتى عائلة أورخاني إلى الحركة الرابعة النهائية. فالأخ البكر، يوسف، الأفلج والعفن قُتل على يد أخيه أورهان قبل سنوات، والأخت آيدا أحرقت نفسها نتيجة صراعات وخلافات مع زوجها. الأب توفي، وتبعته الأم بعد تجرعها لمرارة طويلة. سورملينا، زوجة آيدين، هلكت، وآيدين، شقيق أورهان وتوأم آيدا، الذي ظل لسنوات أسير الجنون والخبل، منذ عشرة أيام وهو متوار عن الأنظار وأورهان يبحث عنه ليقتله. لأنه علم حديثاً بأن آيدين خلّف بنتاً تبلغ من العمر خمس عشرة سنة، وبذلك يكون نسل أورخاني قد امتدّ إلى فتاة بعيدة وغريبة وشقراء تدعى إلميرا، في حين أن أورهان نفسه عقيم، لا يريد ولا يمكن أن يقبل بأن ينتقل ميراث الأب إلى فتاة لا يُعرف من أين جاءت. لكن هل مات آيدين ؟
من المحتمل جداً. غير أن الرواية لا تفصح عن ذلك بوضوح. لكن في نهاية الرواية أورهان الذي كان عازماً على قتل آيدين، سيصبح أسيراً للأوهام وسيضعف على إثر الصقيع والضياع في الطرقات، ويضع حداً لحياته. أليس ظهور إلميرا كآخر وارث لأسرة أورخاني بداية لسيمفونية أخرى ؟
سيمفونية الموتى رواية اجتماعية لا تجعل من قضية تفكك أسرة جابر أورخاني هدفها الوحيد. رواية اجتماعية لأنها ترصد وتبيّن تأثير العادات والثقافة والفضاء الاجتماعي والقوانين الحاكمة في المجتمع على هذا التفكك. فضلا عن ذلك، فإن شخصيات الرواية، رغم تعدد أبعادها واختلافها، لكن لها نماذج مشابهة كثيرة في المجتمع، يستطيع الذهن، بحضورها، تمثل أقشار مختلفة من المجتمع الإيراني.