"سواح"-أمينة بنونة
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

"سواح"

للخريف في مدينتي طعم خاص ، هو زمن تقلبات الطقس ،وكأن الصيف يصر على الإستمرار ببعض أيامه الدافئة والشتاء يزحف تدريجيا ليأخذ مكانه ،تهب بعض النسائم الباردة ، وأحيانا رياح تتحول إلى عجاج محمل بالأتربة والأوراق وقطع البلاتستيك وما استطاع العجاج حمله ، تختفي من الأسواق فواكه الصيف تدريجيا يختفي الدلاح ويقاوم البطيخ إلى أن تظهر فاكهة المندرين والبرتقال الذي لم يكتمل اصفراره بعد ، إلى أن تظهر فاكهة الرمان ، أولا في " البلاصا" عند الفاسي الذي يصر أن يعرضها بشكل لافت للأنظار ،وعندما نتطرق للحديث او نتشهى أكل الرمان ، يقال لنا لم يحن وقته بعد ، وإن تناول الرمان في بداية ظهوره يسبب " سواح " وهو نوع من الرمد الذي يصيب العينين ، وسمي بسواح تيمنا بأغنية عبد الحليم حافظ التي داع صيتها آنذاك ، هكذا نحن ، نسمي الاثواب بعبد الرؤوف ورابعة العدوية وغيرها ورمد العينين بأغنية سواح والجربة باغنية أمل حياتي لأم كلثوم ربما كنا نستعيض أن نسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية ، ينتقل مرض سواح ويستهدف الأعين التي تحمر وتلتهب جفونها يلجأ العديد إلى الكحل والمرود وترى العيون المكحلة ولا يجد بعض الرجال حرجا في ذلك ، وفي المدارس كان يعمد معلمونا أن يضعوا في أعيننا مرهم أصفر قبل خروجنا ، كانت حصة "بوماضا العينين " حصة تعذيب لنا ، تلتهب عيوننا الصغيرة ، ويوصوننا أن لا نحكها ،ما هي إلا أيام حتى يظهر الرمان عند جل الباعة في البلاصا وسوق لالارقية ، وتبدأ قوافل الدواب المحملة بالرمان التي تأتي من الجبل ، خصوصا من مدشر الصباب ، وكان الرمان أهم مورد لأهله قبل أن تغمره مياه السد ويرحل اهله ليصبح الصباب مجرد ذكرى ، كانت القوافل المحملة بالرمان تنطلق فجرا تمر بمدشر بني معافة وخندق الحمراء مرورا بالقشاشرة إلى أن تدخل المدينة من الجهة الشرقية ، يستقبلهم بعض الباعة يساومونهم وقد ترسو البيعة على تمن ما وقد لايتم الإتفاق لتكمل الدواب طريقها وسط المدينة ويعرض الجبليون رمانهم ،لا يستعملون ميزانا إنما يبعون بالمائة ،كل مائة حبة لها ثمن ، تبدأ المفاوضات وتنزل الأثمان حينما يكثر العرض ، ولا يجد الجبليون بدا من الرضوخ للأثمنه المقترحة بل يعرضون خدمة بعد البيع ، أن يوصلوا الرمان إلى بيوت أصحابها ،نتحلق نحن الصغار حول كومة الرمان ناخذحباتها نقشرها نفركها بين اصابعنا ، وننسى "سواح ".



 
  أمينة بنونة (2017-11-16)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia