كانت عودتنا إلى المدرسة تصادف بداية أيام أكتوبر ، لا تزال الشمس ترسل أشعتها الدافئة ، وبقايا الصيف تحتضر ، كانت مدرستنا بعيدة شيء منا ، نضطرللخروج باكرا ،كنت أمر على صديقتي ونقطع المسافة مشيا على الأقدام ، نختصرها أحيانا عبر دروب المريح وجامع السعيد ، أحيانا نمر أمام السجن واثناء عودتنا نتعمد المرور عبر سوق لالا رقية نتأمل الباعة يعرضون الخضر والفواكه ونساء يعرضن خضرهن على شكل "عرامات " نتفادى الاصطدام بالحمالين وهم يحملون صناديق الخضر ولا تسمع إلا أصوات "بالالاك بلالالاك " كنا نقطع هذه المسافة ذهابا وإيابا أربع مرات في اليوم ، كان أبي يمنحني بعض البسيطات أشتري حلويات "والسفوف "" وغزل البنات "من عند الشريف صاحب عربة امام قوس المحلة ، ذات يوم قائظ ربما انفلت من الصيف وأنا في طريقي إلى المدرسة صحبة صديقتي التي اقترحت علي أن نشتري بعض المثلجات الرخيصة التي كان يبعها "با العنصري " بسيدي ابورمانة ، كان العطش يستبد بنا اشترينا أربع قطع تعهدنا كل منا واحدة باللحس ونحن نتلذذ ببرودتها انتبهنا أن الوقت لا يسعفنا أسرعنا الخطى انتبهنا أن كل منا تبقت له قطعة من " البولو "وضعناه في محافظنا على أساس أن نلتهمها وقت الاستراحة .. جالستان أنا وصديقتي سمعنا وشوشات خلفنا وأنظار تتجه إلينا ، إنتبهت لزميلة تشير تحت محفظتي ، التي كانت تسيل ماء وكذلك محفظة صديقتي ، إنتبه المعلم للوشوشات واتجه صوب المكان الذي تجمعت أنظار التلاميذ إليه حمل محفظتي التي كانت لا يزال الماء يسيل منها وكذا محفظة صديقتي فتحهما ليجد القطعتين ذائبتين وقد بللتا دفاترنا وكتاب "التلاوة " صاح بنا بصوته الأجش محاولا إدراك ما يحدث ، شرحنا له ما فعلنا ، انطلقت ضحكاته عالية ونحن نرتعد خوفا من العقاب فيما كانت ضحكات التلاميذ تتعالى هي الأخرى لم يقطعها إلا ضربة منه بالقضيب على الطاولة ساد صمت رهيب في القسم لم تنفعنا إلا أن نشرنا دفاترنا وكتبنا تحت الشمس ، فيما تفرق التلاميذ أثناء الإستراحة يسردون واقعتنا على باقي تلاميذ الأقسام الأخرى .
تعليقات:
