معرفتي بالمرحوم الدكتور الأمين العمراني تمتد في عمقها لسنوات المراهقة حيث كنا ندرس بإعدادية عبد الكريم الخطابي تلك الإعدادية التي كانت متروكة لحالها وكنا نمارس فيها عشقنا للحياة والقراءة والشغب، كانت فضاء يصعب وصوله حينما تسقط الأمطار إذ تصبح جزيرة تحيطها المياه من جانب وال"الغيس" اللزج الذي يصعب المشي فوقه من جانب آخر.
الصورة التي ظلت في ذهني عن الأمين العمراني في تلك الفترة البائدة والبعيدة أنه طفل مجتهد ومنكفئ على نفسه وغير اجتماعي. كنا رفاق دراسة ولم نكن ساعتها أصدقاء حميمين.
ستمضي الأيام لنلتقي في مكتب جريدة "صباح اليوم" التي كانت تديرها السيدة المرحومة ثريا أمناد وكنت من كتابها، ساعتها سنستعيد الماضي ونقترب شيئا فشيئا، لكن القرب الحقيقي حدث في حانات طنجة الليلية وأثناء لقاءات لم نُحدِّد لها مواعيد لكنها حدثت صدفة وهناك سأعلم أنه اختار حياة الليل والصعلكة ملاذا اتقاء من قسوة الحياة ولا عدلها وجحودها أو ربما انتقاما من نفسه وكل الجهد الذي بدله في الدراسة والتحصيل الأكاديميين اللذان لم يوصلاه لما كان يتمناه وهو التدريس في الجامعة.
في بيت الروبيو ومنذ سنتين وبصورة متقطعة إلتقيت الأمين العمراني وتحدثنا عن الطفولة والمراهقة وغير ذلك من مواضيع ثقافية وأدبية.
أنجز الدكتور الأمين العمراني إحدى أهم الدراسات حول أدب محمد شكري إن لم تكن أهمها على الإطلاق، وله مؤلفات في النقد الأدبي ، وهنالك الآن نص له عن رواية "دفنا الماضي" لعبد الكريم غلاب يدرس لأقسام الباكالوريا. كان كاتبا وناقدا وباحثا طموحا زاغت به دروب الحياة ومنعرجاتها لحياة ربما اختارها طواعية أو اختارته هي.
كنتَ ياصديقي الأمين واحدا من حرافيش سقيفة الربيو، وهاهم أصدقاؤك الآن الذين لم ألتقهم منذ مدة يتذكرنوك ويشربون نخب حضورك الدائم بينهم كلما اجتمعوا هناك، فنم هانئا قرير العين وارتح في أبديتك بعد طول عناء.