قبيل استقلال المغرب، كانت أولى أولويات المغاربة عموما والدولة المغربية خصوصا، هي تطوير المؤسسة التعليمية المغربية العتيقة لتنبثق منها مدرسة وطنية تستجيب للمعايير الحديثة. وقد تسابق رجال الحركة الوطنية إلى تأسيس مدارس ومعاهد للتعليم الحر، واجتهدوا في وضع المقررات وتكوين المدرسين. غير أن رجل التعليم حينها كان في الأغلب الأعم متطوعا، كما كان التلميذ وولي أمره منصاعين لتوجيهات الحركة الوطنية المغربية وللإرادة الملكية حينذاك، حيث كان طموح رجال الحركة الوطنية ونساءها والمؤسسة الملكية، يرنو إلى تأسيس المدرسة الحديثة، التي تجعل أولى أولوياتها صناعة الإنسان القوي. بالتربية والتعليم و التكوين، و تقوية قدرات مواطنين، موقنين بأن التعليم من أهم الآليات الثقافية والاجتماعية الكفيلة بالتغيير الإيجابي للمجتمع، وبتنمية كفاءات المواطن وفتح عينيه على واقع وطن يعانق الحرية. في هذه المرحلة بالذات، كان كلٌّ من التدريس والتَّمدْرُس يُعتبران، عملا نضاليا يمارسه الآباء والتلاميذ ومدرسوهم ومؤطروهم من رجال الحركة الوطنية على السواء، وكأنه جهاد من أجل الحرية. بعد الاستقلال، استلمت الدولة المغربية مشروع التربية والتعليم لتوحيد المغاربة، وضمان مساواتهم، وتقوية القدرات الذاتية للتلميذ الذي يعتبر مشروع مواطن مغربي حر ذي كرامة و ثقة في النفس. لذلك كان من اللازم أن تكون المدرسةُ المغربية المواطنة مدرسةً تستجيب لمعايير الحداثة التعليمية، وأن يكون التلميذ مركزا لأنشطتها حتى تكون صانعة للإنسان القوي القادر على المساهمة في كل الأوراش الوطنية الكبرى. لأجل ذلك هيأت الدولة ترسانة قانونية تؤطرها أحيانا ظهائر شريفة تنظم عمل المدرسين وتمدرُسَ التلاميذ ضمانا لنجاعة العملية التعليمية ولجدواها، ولحماية التلميذ داخل المؤسسة التعليمية أوفي الطريق إليها. من أهم ما اهتم به التشريع المدرسي مبكرا، تأمين التلميذ من الحوادث المدرسية داخل المؤسسة التعليمية، وأخضعه لمقتضيات الظهير الشريف المؤرخ بـ 26 أكتوبر 1942 المتعلق بالتعويض عن الحوادث المدرسية، وكذا لاتفاقية الضمان المدرسي، كما وقع تغييره وتتميمه، بالملحق رقم 2 المبرمة بين الوزارة وشركة سينا السعادة للتامين. وهكذا ضمنت هذه القوانين والظهائر استمرارية التعليم لفائدة التلاميذ ولسلامتهم البدنية. داخل المؤسسة التعليمية، غير أنها لم تضمن التأمين إلا لتلك الحوادث اللاإرادية التي تنتج عنها إصابات بادية للعيان، أو التي يكشف عنها طبيب مختص يقدم في شأنها شهادة توضيحية، معينا درجة العجز الناتج عنها، والتي تحدث فجأة داخل فضاء المؤسسة التعليمية العمومية تحت أعين المشرفين على التلاميذ داخل القسم أو خارجه. وإذا كان المشرع قد وضع القوانين والتدابير التي تضمن حق التلميذ في العلاج لاسترداد عافيته والعودة إلى قسمه في أقرب الآجال، بغض النظر عن المستوى المادي لأسرته، فإن المشتغلين في قطاع التربية والتعليم، يلاحظون أن جوا من عدم الثقة يسود بين أطر المؤسسات التعليمية العمومية، وبين أسر التلاميذ، بسبب خلل في التواصل. فرغم ضآلة مبلغ التأمين الذي يؤخذ من التلميذ في بداية السنة الدراسية، تبدي الأسر عزوفا واضحا عن الاستفادة منه، الشيء الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار. وتتم معالجته بتسخير كل الإمكانيات، وتقنيات التواصل والإقناع لإماطة غشاوة الشك عن أعين الآباء والأمهات وإقناعهم بأهميته وكونه لا يرهق كاهل الأسرة، وبأن الوزارة الوصية معنية بسلامة التلاميذ داخل مؤسساتها وخارجها، و أن كل موظفي هذه المؤسسات التعليمية جادون في حماية فلذات الأكباد. لن تكلف عملية الإقناع هذه المؤسسات التعليمية إلا إجراءات بسيطة، كأن تُسلِّم إدارة المؤسسة التعليمية لولي أمر التلميذ بطاقة تأمين ابنه مرقمة، تحمل اسم التلميذ المؤمَّن وعنوان مدرسته وصورته وعنوانه إضافة إلى عنوان شركة التأمين المسؤولة. لأن الثقة تُكتسب بقوة الإقناع. كما أن هذا الأمر يتطلب حملات تحسيسية تنظمها المؤسسة التعليمية وشركاؤها الاجتماعيون. إننا نحن المغاربة نحلم بالعيش في مجتمع يضمن لنا كل الحقوق الإنسانية كما هي متعارف عليها دوليا، وها نحن نسير على الدرب بإصرار وتصميم، فمن سار على الدرب وصل.