شهدت الخمس وعشرون سنة الماضية حضورا واضحا للممثلات والمغنيات اللبنانيات في السينما والدراما المصرية والحفلات الغنائية , وهذا الزحف نحو الساحة الفنية في مصر ليس غريباً ولا جديداً , وذلك لأهمية العاصمة المصرية القاهرة واعتبارها ( هوليوود الشرق ) ونقطة انطلاق نحو الشهرة للفنانين والممثلين العرب .
هذا التوجه ليس جديداً فمنذ البدايات الاولى للسينما والدراما المصرية شاركت نخبة من أهل بلاد الشام عامة ومن سوريا ولبنان خاصة في الخطوات الاولى لصناعة السينما والدراما في مصر , كما كان حضورهم بارزا في وضع اسس المسرح , وسبق ذلك دورهم في تغذية الجوانب الثقافية والأدبية والإعلامية في القرن التاسع عشر الميلادي , وأستطيع القول أن أهل بلاد الشام كان لهم تأثير واضح في إغناء الحياة الثقافية في مصر ودور أساسي في المشروع النهضوي الذي بدأت ملامحه تتضح خلال القرن التاسع عشر الميلادي .
وخلال السنوات القريبة الماضية سعى بعض المنتجين والمخرجين وكتاب السيناريو الى الاستفادة من التواجد اللبناني وجعل الفنانة اللبنانية حاضرة في الفلم أو المسلسل , وأحياناً يتم ذكر المرأة اللبنانية في سياق الحديث , ولكن السؤال المهم كيف قدمت السينما والدراما المصرية صورة المرأة اللبنانية ..؟
درجت السينما والدراما المصرية على تقديم المرأة اللبنانية بصورة الجميلة الجذابة الرشيقة ذات القوام والجسم المتناسق، أي تقديمها بشكل مثير , والتركيز على مفاتنها الخارجية , تجذب الرجل الذي يلاحقها ويغازلها وينصب الشباك حولها لإيقاعها ,, وأحياناً نلاحظ عدم وجود لبنانية في الفلم أو المسلسل ولكن عندما تذكر المرأة اللبنانية في سياق الحديث فيكون الإيحاء واضحا بأنها مثيرة ..
إن هذه الصورة الاستهلاكية التي تقدمها السينما والدراما المصرية للمرأة اللبنانية ناتجة عن قصور في الرؤية وتركيز على القشور وهذا بسبب تأثير أزمة الثقافة الاستهلاكية ذاتها التي ترى الامور بشكل سطحي وقاصر , هذا التأثير الذي ينعكس على المجتمع ليتحول إلى مجتمع استهلاكي تسيطر عليه ثقافة الوجبات السريعة والدليفري .
الصورة الأخرى هنا في هذا المشهد هي صورة الرجل المصري التي يتم تقديمها على أنه رجل سطحي تحركه غريزته وتأسره ملذاته..
دون شك هناك بعض الفنانات اللبنانيات حاولن دخول الساحة الفنية في مصر معتمدات على إمكانياتهن الجسدية لنيل الشهرة وجني المكاسب , لكن ذلك لا يعني أن جميعهن كذلك كما يبدو في المشهد الفني المصري بطابعه الغالب ولايجب النظر الى المرأة اللبنانية من خلال هذه الفئة من الفنانات ثم لماذا تصر السينما والدراما المصرية على تقديم هذه الصورة السلبية , ولماذا لاترى الوجه الحقيقي للبنان من خلال نماذج مشرقة ومشرفة للمرأة اللبنانية مثل العملاقة السيدة فيروز والرائعة جوليا بطرس والمبدعة نضال الأشقر والمناضلة الفدائية سهى بشارة , وطابور طويل من الشهيدات اللبنانيات مثل الشهيدة سناء محيدلي والشهيدة يسار مروة والشهيدة لولا الياس عبود والشهيدة وفاء نورالدين والقائمة تطول , بالإضافة الى عدد لاحصر له من المثقفات والأديبات والإعلاميات وأمهات الشهداء .
وإذا قمنا بحركة عكسية فوجهنا النظر نحو مصر فهل يمكن القبول باختزال المرأة المصرية في راقصات شارع الهرم والنوادي الليلية وتجاهل كوكب الشرق أم كلثوم وسيدة الشاشة فاتن حمامة , وسميحه أيوب ومحسنة توفيق , ولطيفة الزيات وفريدة النقاش ونوال السعداوي ومنى مكرم عبيد , ومناضلات الثورات المصرية على مرالعصور , وأمهات الشهداء وأبطال العبور , والفلاحات في الحقول والعاملات في المصانع , وطابور طويل من المثقفات والمبدعات والتربويات .
في مصر والسينما المصرية قائمة طويلة من الأفلام الرائعة الجادة التي تحترم عقلية المشاهد وتناقش قضايا الإنسان المصري والعربي على سبيل المثال وليس الحصر : الأرض , العصفور , الحرام , دعاء الكروان , اللص والكلاب , سواق الأتوبيس , كتيبة الإعدام ..... وغيرها من الأفلام المحترمه والجادة ,, وليس من خلال أفلام المقاولات , والأفلام التجارية الهابطة التي تحاكي غريزة المشاهد والتي انتشرت في السنوات العشرين السابقة , وتظهر فيها مايطلق عليها خطأ ( مغنية شعبية ) تتقافز على مسرح في عرس في حارة شعبية , يرافقها الغناء والقفز ( مغني شعبي ) يقدمون أغنية بكلام هابط ولامعنى له , وتتدحرج بينهما راقصة لاتخلو حركاتها من إيحاءات جنسية , ولتكتمل الصورة ينضم اليهم بلطجي ويشارك بحركات راقصة مستخدماً السكين أو العصا , وتحت المسرح جمهور في حالة هياج جماعي تحت تأثير الخمور والمخدرات ,, هذه الصورة أصبحت لاتفارق بعض الأفلام المصرية في السنوات الاخيرة , فهل هذا هو المجتمع المصري , وهل الأربعة الذين على المسرح ( المغنية والمغني والراقصة والبلطجي ) هم صفوة ونخبة وقادة ورموز المجتمع المصري ؟ من الصعب القول بذلك طبعا .
إن السينما والتلفزيون من وسائل الاتصال الجماهيري , بل وأخطرها وأكثرها تأثيراً في شعور الانسان ولاشعوره وتساهم في تشكيل ذهنيته وشخصيته , وقد أصبحت الأداة الرئيسية في تشكيل وعي الانسان المعاصر , وتمتلك السينما والدراما المصرية سطوة على الانسان العربي وتأثيرها قوي عليه وتساهم في تشكيل وعيه , ومن خلال تقديم هذه الصور السلبية فإنها تساهم في بناء وعي مشوه مزيف سطحي غرائزي ..
إن هذه الصورة السلبية للمرأة اللبنانية التي تقدمها السينما والدراما المصرية هي نتيجة أزمة في الثقافة العربية لازمتها منذ فترة وتحولت الى ثقافة استهلاكية سلعية , وتتجلى مظاهر هذه الأزمة من خلال واقع المجتمع العربي الذي صار مجتمعا استهلاكيا غير منتج ثقافياً ومادياً ..