في مثل هذه الظروف الحالكة التي تشهدها العديد من الأقطار العربية والتي تهدد نار أوارها بلدنا الآمن، بفكرها المتطرف وإرهابها اللاإنساني، يصبح للثقافة والتعليم دور أساسي لا محيد عنه في مواجهة ومحاربة الأفكار الداعية للتطرف الديني الذي لايرى محيدا لمواجهة المخالفين لما يظنه حقيقة وحيدة ومطلقة سوى منطق الحديد والنار والدم. ففيما تجد مثل هذه الحركات المتشددة في الأمية ونقص التعليم وعدم الاطلاع على الإنجازات الإنسانية في الفكر والفلسفة والفن مرتعا خصبا للإكثار من مريديها ومجنديها، لا يمكن محاربتها سوى بدعم قطاعات الثقافة والفن التي تجعل المبحر فيها يصبح أكثر تسامحا و رقما صعبا على الاستقطاب والاستيلاب الفكري وغسيل المخ ...مع العودة أيضا لقيم الدين الوسطي المتسامح وجوهره الإنساني.
انطلاقا من هذا يفترض بالدولة تحمل مسؤولياتها في هذا الإطار بالاضطلاع بدورها التوعوي والتنويري وذلك بتشجيع الفكر المتنور والحث على إشاعة فكر الاختلاف والتعدد ومناهضة الفكر الإقصائي ذو التوجه الوحيد.
الملاحظ أن الدولة تحارب الإرهاب والتشدد بشكل مباشر حينما تستشعر خطره الداهم، وهذا أمر مهم ، لكن الأهم هو اجتثاث مسببات ودواعي هذا التشدد من جذورها، وهذا لا يتأتى سوى بنشر ثقافة التسامح والتنوير ومحاربة الجهل والأمية، ليس فقط بمفهومها المباشر لكن أيضا الأمية الفكرية وهي الأخطر والأشرس.
على الدولة إذن أن تضطلع بدورها أيضا في تشجيع القراءة والعودة للكتاب بدعم نشر الكتب، ليس فقط من خلال الناشرين لكن أيضا بالدعم المباشر للكُتاب إما بنشر كتبهم أو بدعم وإنشاء إقامات للكتابة كما هو معمول به في الغرب، حيث يتفرغ الكتاب للإبداع والكتابة دون أن تطاردهم الهموم المادية وهواجس لقمة العيش، في ..تتكفل بها وبهم جهات داعمة للثقافة والإبداع دون أن يكونوا (الكتاب) منشغلين بهمومهم المعيشية والمادية التي تغنيهم التعويضات التي تصرف لهم عنها (عن الانشغال بها) والتي تمكنهم من التفرغ لعملهم الإبداعي...
للبرامج التعليمية وإدراج المواد الفنية بها أيضا دور مهم في محاربة التشدد والأفكار المتطرفة، وللأسف فعوض إدراج مزيد من الفنون ضمن المقررات الدراسية كالسينما مثلا التي وبمبادرات فردية أصبحت بعض المؤسسات التعليمية في المغرب تشهد إنشاء نوادي سينمائية أنشأها رجال ونساء تعليم كانت السينما من بين هواياتهم وانشغالاتهم الذاتية فأدخلوها في الأنشطة المدرسية الموازية جاعلين بعضا من تلاميذتهم يهوون نفس الفن الذي عشقوه هم، نجد الحديث عن إلغاء تدريس.... أو بعض الفنون التي كانت أساسية في المقررات الدراسية في المغرب كالفن التشكيلي. بل تطالعنا بين الحين والآخر أصوات تريد أن تعود بنا القهقرى بالدعوى إلى إلغاء تدريس مادة الفلسفة التي تعد إحدى المعاقل التي كانت منذ الماضي تخرج أفواجا من المفكرين والمتنورين...
ومن بين الأمور الإجرائية والعملية التي ستساند المجال الثقافي والفني الرفع من ميزانية وزارة الثقافة في الميزانية العامة التي تعرض مرة كل عام على مجلسي النواب للمصادقة عليها.