** حل يوم الجمعة 15 نوفمبر 2013 اليوم الوطني للإعلام، في ظل تساؤلات جمة، لم تتوقف قط،حول هذا الإعلام، ودوره في تحقيق التنمية الشاملة ؟ و تكريس أسس الديموقراطية ؟ وبناء منظومة المجتمع المدني ؟.
إن الإجابة على هذه الأسئلة، تقودنا للتأكيد على أن إعلامنا، وخاصة العمومي بمختلف تشكيلاته، لم يلعب الأدوار المطلوبة منه، من أجل النهوض ببلادنا في مختلف المجالات، ولم يتخلص بعد من أوهام التدبير القديم الذي يعتمد على تزيين الأشياء و الوقائع بمساحيق كاذبة و خادعة و مجانبة للحقائق الثابتة و الدامغة.. إعلامنا مازال طريح فراش المرض، رغم أن الإعلام العربي و الغربي على وجه الخصوص، برهن بالملموس و بالفعل، على قدرته في تحصين الدول، و تمتيع اقتصادياتها بشروط التنافس والاستثمار، و تمكينها من إقامة كياناتها السياسية على مفاهيم الديموقراطية و التنمية.
و إذا كنا نستغرب حرص القائمين على تدبير المسألة الإعلامية ببلادنا على إبقائها خارج سياق الإصلاح، فإننا ندرك جيدا، أن هناك أكثر من جهة، ترى في وجود إعلام تقليدي عاجز عن الإبداع و التجديد، وقاصر عن الترويج المثمر لمفاهيم الحرية و التعددية و الانفتاح، ولقيم المحاسبة و المساءلة و المتابعة القضائية، حماية قوية لمصالحها الموسومة بالفساد و الريع.. لذا، فإن المعركة ضد هذا الإعلام الرديء و المنكمش و الرجعي، ينبغي أن تنطلق اليوم، و تستمر غدا، باستعمال كل أنواع الأسلحة النقدية و السياسية و الجماهيرية، أملا في تعبيد أول الطريق نحو مجتمع المعرفة و الإعلام و الاتصال، يكون فيه المواطن حرا بفكر متعدد، و كريما باختيارات اقتصادية و اجتماعية وثقافية ديموقراطية.
إن الجميع يعلم، أن إعلامنا العمومي و التلفزي على وجه الدقة، محدود الانتشار، بعد أن هجره مشاهدوه نحو إعلام آخر أكثر جدية و جودة، و أكثر اعترافا بالحق في الوصول إلى الخبر، و اعمق تحليلا و متابعة للأحداث و الوقائع و المواقف، و أميل إلى الموضوعية والحياد و الاستقلالية.
صحيح، أن من الأمور التي لا يجادل فيها أحد، هو أن بلادنا حققت تطورا عميقا في كثير من الميادين المجتمعية.. غير أن هذا التطور الذي نراه إيجابيا هنا وهناك و بدرجات متفاوتة، لم ينعكس على قطاع الإعلام العمومي، و لم يخرجه بالتالي من تفاهته المهنية، ومعالجاته السطحية لبعض القضايا التي تشغل بال المواطنين، و لا حتى من انحرافه، في أكثر من مرة، إلى تسويق مغالطات إخبارية ومعلوماتية حول قضايا وطنية لا تقبل هذا المنهج السيئ، و لا ترضاه البلاد أبدا، لما له من أثر سلبي عميق، على وعي المواطن و غيرته، و حسه الديموقراطي.
لقد بات مطلوبا منا اليوم، و قبل الغد، أن نراهن على إصلاح منظومتنا الإعلامية، بما يجعلها مدخلا لدمقرطة الدولة و المجتمع.. و نعتقد أن هذا الطموح لن يتأتى، إلا بتحرير هذا المرفق العمومي الهام، من أغلال الماضي و رواسبه، و من عقلية المشرفين على توجيهه و تدبيره، باعتبارها عقلية مستبدة، ومتسلطة، ومتكلسة، وفاقدة لروح الاجتهاد والإبداع.. كما أنه لن يتأتى إلا بإشراك جميع القوى المجتمعية الفاعلة، في صناعة القرار الإعلامي و تنفيذه.. فالإعلام، بوظائفه السحرية، يشكل دولة.. و الدولة التي لا تجعل إعلامها رافدا من روافد التنمية و الديموقراطية، تبقى أقرب إلى دولة لا قيمة و لا منزلة لها بين الدول التي تسود اليوم العالم بمنطق الإعلام، قبل أن تهيمن عليه بمنطق القوة العسكرية أو الاقتصادية.