** بهذا العدد الورقي الجديد، تعود إلينا / إليكم قراءنا الأعزاء، مجلة "طنجة الأدبية" في محاولة أخرى منها، لتنشيط الواقع الثقافي المغربي، و المساهمة في بنائه، من زوايا: النقد، و المراجعة، والمناصحة، و التصويب، و اكتشاف أسباب الانحسار الذي يعاني منه، و التحسيس بخطورة آثار هذا الانحسار، و تحديد مكامن الاختلال و السقم، و الدعوة إلى مشاركة جميع المعنيين بالشأن الثقافي و الفكري إلى العمل على صياغة معالجات و مقاربات ومناهج لإغناء مشهدنا الثقافي، و جعل هذا القطاع الحضاري الاستراتيجي مصدر قيم التعايش و التقارب و التسامح و التفاهم بين أبناء الوطن، خصوصا و أن الحاجة إلى الثقافة التي ترتقى بالإنسان، و تبني صرح الوطن، أصبحت ملحة و ضرورية و حتمية، في ظل التحولات الكارثية التي تجتازها اليوم بعض الأقطار العربية، حيث تحميل مفاهيم و نظريات يعمل بها الجميع، منذ وقت سحيق، فوق طاقتها الدلالية، و حيث التساهل في قتل الأبرياء، و سفك الدماء، و ملء السجون بمعتقلي الرأي والتعبير، و غير ذلك من الإنحرافات التي نتجت - و تنتج - عن ضعف البناء الثقافي و الفكري في هذا البلد أو ذاك.
إن المرحلة صعبة في وطننا العربي، و تنذر بمزيد من الأزمات وعلى مختلف الصعد.. لذلك نعتقد أن تضافر الجهود من أجل صياغة مشروع ثقافي متكامل الأركان، و بأبعاده السياسية و الاجتماعية والقانونية و الاقتصادية، خيار أساسي للهروب ببلادنا من شبح الفوضى، و الصراع المتهافت، و التهديد بخلخلة الوضع الاجتماعي، على اعتبار أن الثقافة منظومة مجتمعية منسجمة، تملك كل عناصر القوة، لبناء فرص التحرر من أفكار الأزمة، و من أزمة القيم، و الخروج بالتالي برؤية ميدانية توفر شروط النهوض بالبلاد، و تمنح للمواطنين الإحساس و اليقين بالتلاحم و الانسجام و التعايش و الاستقرار.
إذن، تبقى عودة مجلة "طنجة الأدبية" إلى الصدور الورقي في غاية الأهمية، أولها هذا الذي أشرنا إليه أعلاه، و ثانيها؛ أن هذه العودة، تتحقق بعد توقف إجباري اضطررنا إليه، لضعف التمويل، وغياب جهات الدعم، و صلابة إكراهات الطبع و النشر و التوزيع.. لكننا نعود اليوم، بعد أن أدرجتنا وزارة الثقافة ضمن خانة المستفيدين من الدعم المالي خلال سنة 2014.. و رغم أن هذا الدعم قليل جدا، و يشمل عددين فقط (ألف دولار تقريبا للعدد الواحد)، بل و لا يستجيب لأدنى متطلبات عملية الإصدار، فإننا نثمن هذه الإلتفاتة، آملين من الحكومة - في المستقبل القريب جدا - العمل على إيلاء اهتمام أكبر بالشأن الثقافي؛ تنظيرا، و دعما ماديا، و ماليا، ولوجيستيكيا لكل الشركاء و الفاعلين الحقيقيين، و ذلك بما يحقق لهذا الوطن و لأبنائه، شروط الإقلاع و التمكين و البناء التنموي الدائم.