لم يحقق فيلم توم كروز الجديد المعنون ب " Rock of Ages" "روك العصور"، أو" روك للأبد" حسب الترجمة الفرنسية ما كان يطمح إليه المخرج آدم شانكمان Shankman Adam رغم حضور أسماء قوية مثل كاترين زيتا جونس، راسل براند، جوليان جوش، ديجو بونيتا، ، كيفين ناش، اليك بالدوين، مالين إيكورمان. وميزانية قدرت ب: 80 مليون دولار. توم كروز صاحب الميراث السينمائي القوي والأدوار السينمائية المركبة في أعمال فنية اتسمت بالحركة والتشويق مثل "المهمة المستحيلة" في أجزائه الأربعة، عرف بأدائه الباهر في هذه النوعية من الأفلام التي رسخها لدى محبي الفن السابع خاصة وأنه تعامل مع مخرجين كبار أمثال مارتن سكورسيزي، وأوليفر ستون أهلته للفوز ثلاث مرات بجائزة الغولدن غلوب. فضلا عن تشخيصه المتميز لشخصيتين تاريخيتين الأولى شخصية نثان ألغرين النقيب الأمريكي الذي ستربطه علاقة صداقة بالمقاتل الياباني "كاتوسوموتو" في الفيلم التاريخي الملحمي "الساموراي الأخير" للمخرج إدوارد زويك والذي تجاوزت ميزانية إنتاجه 010مليون دولار، وهو الفيلم الذي استقبله نقاد السينما بحفاوة كبيرة نظرا لجماليات الصورة السينمائية، وللأمكنة الفاتنة التي صورت فيها حياة مقاتلي الساموراي ومعاركهم إخلاصا للأرض ولتقاليد اليابان العريقة ، ولقوة الحوار الذي يؤرخ لتاريخ اليابان في نهاية القرن التاسع عشر. والثانية تجسيده في فيلم من إخراج بريان سينجر لشخصية الجنرال الألماني كلاوس شتاوفنبرج الذي سيقود عملية تحت اسم "فالكيري" لاغتيال هتلر. خطة الاغتيال ستكتشف من قبل جهاز المخابرات الألمانية (الجستابو) وسيعدم في ساحة "بيندلربلوك". ولعلها مرات قليلة التي انزاح فيها طوم كويز عن أفلام الحركة كما هو الحال في فيلم "مقابلة مع مصاصي الدماء" بطولة براد بيت وأنتونيو بانديراس . الفيلم الجديد الذي يظهر توم كرويز صاحب الملامح الحادة في شخصية مطرب روك شهير" ستايسي جاكس" يرتبط بسيرة مطربي ومحبي موسيقى الروك أند رول أمثال إلفيس بريسلي، مجموعة البيتلز، جانز أند روزس، ذارولينغ ستونز، كات ستيفن..وبحب أقرب إلى الجنون لكونه ممزوجا بالتمرد، والتحرر الجنسي، والمخدرات، والموسيقى الصاخبة في سهرات قد تنتهي بتكسير الخشبة والآلات الموسيقية.
فيلم "روك العصور" حاول القبض على هذا العشق الجنوني لموسيقى الروك أند رول في مساحة السرد الفيلمي الذي يفتتح بمشهد لصانسيت ستريب وحديث عن أفضل فرقة روك أند رول يتبعها مقطع غنائي يبين أهمية هذا النمط الموسيقي في حقبة ذهبية اتسمت بسرد تفاصيل للحياة اليومية والانغماس في تذوقها وعيشها بعيدا عن كل المعايير الأخلاقية طالما أن موسيقى الروك أند رول مرتبطة بالحرية دون أية قيود. كاثرين زيتا الحاصلة سلفا على الأوسكار عن دورها في الفيلم الغنائي ستتقمص دور" شيري" الفتاة الشابة القادمة من تولسا بأوكلاهوما إلى لوس أنجلوس للبحث عن مجد هوليودي ستسرق منها أسطواناتها الموسيقية وستلتقي بالشاب " درو" الذي سيحاول القبض على السارق دون جدوى فيقرر مساعدتها. لتبدأ رحلة البحث عن موطئ قدم في هوليود ومعها تتطور علاقة حب عاصفة. وتتخللها تشابكات يظهر فيها توم كروز في دورنجم الروك ستايسي جاكس الذي يواجه بحملة قوية تقودها زوجة عمدة لوس أنجلس. وهنا يبرز الفيلم تداخل الموسيقى بالسياسية. وصراع زوجة العمدة المرأة المتعصبة دينيا باتريشيا وايتمور الشبيهة في صلابتها رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر والداعية لمنع موسيقى الروك أند رول باعتبارها تشكل خطرا على الأطفال.لأنها مرض يتوجب محاربته وهذا ما يعلل لجوءها إلى الكنيسة لاكتساب الشرعية الأخلاقية لمحاربة هذا المرض، لأن مهمتها هي تطهير المدينة من هذه الموسيقى. وكان لزاما انتظار أكثر من عشرة دقائق ليظهر توم كروز" ستاسي جاكس "بشعر طويل وثوب "الفرو" أبيض، ووشم كبير على الصدر وأظافره المطلية بطلاء الأظافرالنسائي. وستقود الصدفة "شيري" للقاء "ستايسي جاكس"، فيما سيصعد بالصدفة نفسها "درو" إلى الخشبة لافتتاح الحفل الصاخب بعد اعتذار الفرقة الموسيقية. وطوال خمسة عشر دقيقة من زمن فيلم "روك العصور" لم يظهر توم كروز إلا في لقطتين متباعدتين . "ستايسي جاكس"الذي يصيب ظهوره محبيه بحالات الإغماء ظهر بشكل غير مقنع كنجم روك أند رول، لأنه كان يفتقد للحيوية والجاذبية التي ينبغي توفرها في شخصية فنان الروك لذلك فقد ساهم أداء توم كروز الباهت في خلق ملل في مسار الفيلم الخطي الذي يفترض أن يتسم بقدر كبير من التشويق والإثارة لكونه يتأطر في نوعية الأفلام الغنائية، خاصة وأن مهمته كانت ترتبط في البحث عن الموسيقى المثالية، واللحن المثالي، والإيقاع المثالي ، ولم يكن في مستوى اللقب الذي أطلقه على نفسه: طائر العنقاء. وهو ما جعله يرتبط بالصحافية التي ستقدم نقدا قويا له لكنها ستتحول إلى عاشقة متيمة به منغمسة معه في حياته الماجنة. مسار البطلة شيري سيستمر رغم عصف العلاقة بينها وبين حبيبها "درو" ستتحول إلى نادلة، والى راقصة الأروبيكس. وستتمكن في النهاية من أداء أغنيتها العاطفية مع حبيبها " درو" و ستايسي جاكس . توم كروز صرح لمجلة بلاي بوي في عددها لشهر أغسطس 2012 أنه قضى ست سنوات في التدريب على السيف وتعلم ثقافة المحاربين الشرفاء وبناء الجسم في فيلم الساموراي الأخير. كما خضع لخمسة ساعات كل يوم لتعلم الغناء والرقص لعدة أسابيع في فيلم " روك العصور" غير أن رقصات أكسيل روز لم تكن ملائمة لجسد توم كروز خاصة في مشهد الحفلة الموسيقية. وفي فضاء الحانة والشارع . إن الرؤية الفنية للسرد الفيلمي التي اعتمدها المخرج آدم شانكمان وما رافقها من تعاقب خطي للصور. والمشاهد المتناسخة جعلت الحبكة الفيلمية ضعيفة، وجعلت الكثير من الأغاني والمواقف بدون مبرر درامي. كما أن التركيز على اللقطة المتوسطة جعل من شخصية توم كرويز معزولا عن محيطه الذي كان يفترض أن يحمل لنا الزمن الثمانيني بكل سحره وعنفوانه.مع ندرة اللقطة التأسيسية ومحدوديتها، وحتى اللقطة القريبة لم تستطع أن تظهر لنا نفسية مطرب الروك وحبه للحياة. ورغم اعتماد المخرج على مونتاج Premiere pro فقد كان ضعيفا ومملا. وقد يكون اعتماد زاوية نظر الطائر إيجابيا في نقل أجواء الحفل الموسيقي. لكن الأداء البطيء لتوم كروز وعدم قدرته على إبراز الجو العام لحفل الروك، وغياب الاهتمام بالحدث الأساس، وضعف حركات الكاميرا أفقيا، وضعف التعدد الصوتي رغم الطابع الغنائي للأغنية الأساس للفيلم. مع استحضار إقحام رقصة الجاز في الحفل التي لم تكن موجودة في تلك الحقبة. ساهم في الفشل الفني والدرامي لروك العصور الذي يحفل بإشارات ثقافية وفنية من قبيل الحديث عن موسيقى مايكل جاكسون، و البلوز والجاز. توم كروز فشل من دون شكل في خلق حركية للفيلم من خلال تقديمه لشخصية "ستايسي جاكس" الجوفاء وبدا الفيلم وكأنه تجميع لاكليشيهات لا رابط درامي يجمعها سوى الانهمام بالخمر والجنس الذي لم يقتصر على علاقة " شيري" ب " درو" بل امتد ليظهر العلاقة الجنسية المثلية بين أليك بالدوين في دور مالك النادي دنيس دوبري، وصديقه راسل براند في دور بارنيت وهي العلاقة التي أفرد لها المخرج آدم شانكمان حيزا زمنيا مهما وأغنية راقصة وحوارا يبرز أهمية هذه العلاقة المثلية التي اتسمت بإقحام غير مبرر يفتقر لمقومات العمل السينمائي الغنائي الجيد. ويمكن القول أن الفشل الذريع لهذا العمل السينمائي ساهمت فيه السياقات السالفة الذكر. ولم تشفع سيرة فريق العمل المحترف في انقاد صورة توم كروز، وسقوطه الفني المدوي مما نتج عنه فشل في تحقيق لإيرادات مهمة في شهر أغسطس تزامنا مع هيمنة أفلام "الكوميكس" فيلم "مدغشقر الجزء الثالث" الذي حقق أكثر من 120 مليون دولار في أمريكا الشمالية وكندا، والتخييل العلمي مثل فيلم" بروميثيوس" الذي حقق أكثر من 88.8 مليون دولار واحتل المرتبة الثالثة فيلم "إبراهام لينكولن - مصاص الدماء "بإيرادات 16.5 مليون. في حين حضي فيلم "سنو وايت والصياد" بالمرتبة الرابعة بمداخيل 8 ملايين دولار. وحصل فيلم "روك العصور" على المرتبة الخامسة ب:2.5 مليون دولار وهو رقم ضعيف لم يكن يحلم به صانعي هذا الفيلم. فهل يستطيع المخرج الألماني فيرنر هيرزوج الذى حصل على جائزة أوسكار أفضل سيناريو عام 1996 عن فيلمه «The Usual Suspects». أن ينجح في ترميم صورة صاحب " المهمة المستحيلة" الذي احتفل مؤخرا بعيد ميلاده الخمسين من خلال الفيلم الجديد" جاك ريتشر" خاص وأن توم كروز سيكون بجوار كوكبة من النجوم أمثال روزاموند بايك، وفيرنر هيرتسوج، وروبرت دوفال، وكورتنى جاى، وريتشارد جينكينز، والكسيا فاست. ثمة شخصية وحيدة تميزت بأدائها التقائي في فيلم" روك العصور" إنه القرد "هاي مان" الذي كان يتصرف في مساحة الفيلم ( 123 دقيقة) بتلقائية ساخرة بعيدا عن سلطة صاحبه توم كروز.