الرئيسيةإبداعربما تعود!

ربما تعود!

ارتعش الطفل أمام وداع أمه . كانت الشمس في الخارج قاب قوسين أو أدنى من المغيب. تشبت بجلبابها كي لا ترحل. هي الآن مسربلة بالتعب ، مقبلة على استئصال الورم الخبيث، لا تنبس حرفا الا بصعوبة:
– ماما ..ماما ..لا تذهبي..أرجوك لا..لا
رجته بعينيها أن يترك ملابسها، لكنه تشبث بها أكثر، في تلك اللحظة الفارقة سمع دويّ طائرة كان يلعب بها أخوه الأكبرفي البيت ، كان دوّيها فظيعا يثقب أذنيه ، وكانت الطائرة تزخ قنابل ضاحكة في كل اتجاه. ومع الزخات كان أخوه الشقي يصرخ : أنا السوبرمان، سأدمر كل شيء. ازداد صراخ الطفل الصغير وأخذ يضرب الارض برجليه حاضنا هذه المرة جسد أمه من وراء الجلباب
– ماما….ماما أنا خائف٠٠انا خائف
حاولت جدته أن تهدىء من روعه:
– لا تخف يابني انها مجرد لعبة
حرك رأسه نافيا إجابتها
– أنظر.. انظر ياصغيري ، انها طائرة مزيفة ..كم لعبت بها أنت أيضا ..وهذا أخوك ، انه يمزح؟!
أمي ستغادر، و الطائرة اللعينة غيرت صوتها ،واخي لا يمزح ، وسيقتلنا جميعا!! هكذا كانت تنطق عينا الطفل البنيتان في اتجاه جدته.
ظلت الأم صامتة من الإنهاك، ومن أشياء أخرى لا تستطيع أن تبوح بها لطفل في الخامسة، نازعت في محاولة أخيرة لتفلت من يديه الطريّتين، غير أن منازعتها كانت بحجم طراوته، خائفة ومرتعشة!
– ليلة واحدة في المستشفى ثم تعود!! عاودت الجدة محاولة الاقناع . كانت تعلم انها تكذب ، وان الام لن تعود بعد ليلة او ليلتين لكنها ارادت ان تسكّن دموع الطفل ، وتقنعه باي ثمن!.
– لا تتركيني أمي .. أرجوك ..خذيني معك
كان لا بد من حسم الموقف، وأمام ضعف الأم، كان لابد للجدة من ان تتغوّل.
جذبت الطفل بعيدا عن الباب وأمه ، صرخ هو بكل قوة جاذبا في اتجاه الباب وأمه ، علا الصراخ والجذب، فصوّبَ الأخ الأكبر طائرته في اتجاه المتشاكسين: سأقتلكم جميعا ايها الأعداء!!ثم شرع يقصف: بم ..بم …..بم .
في الخارج ، كانت الشمس قد غابت تماما عن الأفق. غادرت الأم طاوية برميلا من الدموع في صدرها المتململ، أقنعت نفسها أنها ستعود، وضرعت الى الله ان تتكلل عمليتها بالنجاح..من وراء الباب، وهي تخطو أولى خطواتها الى المجهول، تناهى الى سمعها صوت الجدة تتمتم بكلمات غير مفهومة، وصوت ابنها يغرق في نشيج عميق ومتحير، أما ابنها الأكبر فكان مايزال يواصل قصف البيت!!

سعيد طلحا-فرنسا

تعليقان

  1. فوزية غاية

    قصة سعيدة طلحا جميلة ومؤثرة. وبأسلوب رائع

  2. سعيد طلحا

    شكرًا لكم موقع طنجة الأدبية على النشر ، وشكرا لفوزية غاية على تعليقها الجميل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *